للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَسْتَخْدِمَ الرِّجَالَ، فَإِنْ ظَهَرَ فَاسْتِرْجَاعُ مَا أَنْفَقَ سهل، وإلا لم يكن لصاحبكم شئ في الخزائن وكان ما خزن لغيره.

فَرَجَعُوا إِلَى الْخَلِيفَةِ فَأَخْبَرُوهُ بِذَلِكَ، وَأَشَارَ النَّاسُ على الخليفة بمناجزته، فاستدعى

عِيسَى بْنَ مُوسَى فَنَدَبَهُ إِلَى ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي سَأَكْتُبُ إِلَيْهِ كِتَابًا أُنْذِرُهُ بِهِ قَبْلَ قِتَالِهِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ! مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَبْدِ اللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً) الآية إلى قوله: (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رحيم) [الْمَائِدَةِ: ٣٣ - ٣٤] ثُمَّ قَالَ: فَلَكَ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ وذمته وذمة رسوله، إن أنت رجعت إلى الطاعة لاومننك وَمَنِ اتَّبَعَكَ، وَلَأُعْطِيَنَّكَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَأَدَعَنَّكَ تقيم في أحب البلاد إليك، ولأقضين لك جَمِيعَ حَوَائِجِكَ، فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ.

فَكَتَبَ إِلَيْهِ محمد جواب كتابه: من عبد الله المهدي محمد بن عبد الله بن حسن: (بسم الله الرحمن الرحيم طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ المبين، نتلو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ، إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ ويستحي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ المفسدين، وتريد أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونجعلهم الوارثين) [الْقِصَصِ: ١ - ٥] ثُمَّ قَالَ: وَإِنِّي أَعْرِضُ عَلَيْكَ مِنَ الْأَمَانِ مِثْلَ مَا عَرَضْتَ عَلَيَّ، فَأَنَا أَحَقُّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْكُمْ، وَأَنْتُمْ إِنَّمَا وَصَلْتُمْ إِلَيْهِ بِنَا، فَإِنَّ عَلِيًّا كَانَ الْوَصِيَّ وَكَانَ الْإِمَامَ، فَكَيْفَ وَرَثْتُمْ وِلَايَتَهُ وَوَلَدُهُ أَحْيَاءٌ؟ وَنَحْنُ أَشْرَفُ أهل الأرض نسباً، فرسول الله خَيْرُ النَّاسِ وَهُوَ جَدُّنَا، وَجَدَّتُنَا خَدِيجَةُ وَهِيَ أفضل زوجاته، وفاطمة ابنته أُمُّنَا وَهِيَ أَكْرَمُ بَنَاتِهِ، وَإِنَّ هَاشِمًا وَلَدَ عَلِيًّا مَرَّتَيْنِ، وَإِنَّ حَسَنًا وَلَدَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ وَأَخُوهُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ أبي مرتين، وإني أوسط بني هاشم نَسَبًا (١) ، فَأَنَا ابْنُ أَرْفَعِ النَّاسِ دَرَجَةً فِي الْجَنَّةِ، وَأَخَفِّهِمْ عَذَابًا فِي النَّارِ.

فَأَنَا أَوْلَى بالأمر منك، وأولى بالعهد وأوفى به منك، فإنك تعطي العهد ثم تنكث ولا تفي، كما فعلت بابن هبيرة فإنك أعطيته العهد ثم غدرت به، ولا أشد عذاباً من إمام غادر، وكذلك فعلت بعمك عبد الله بن علي، وأبي مسلم الخراساني.

ولو أعلم أنك تصدق لأجبتك لما دعوتني إليه، ولكن الوفاء بالعهد من مثلك لمثلي بعيد والسلام.

فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ جَوَابَ ذَلِكَ فِي كتاب طويل حاصله: أما بعد فقد قرأت كتابك فإذا جلَّ فخرك وإدلالك قرابة النِّسَاءِ لِتُضِلَّ بِهِ الْجُفَاةَ وَالْغَوْغَاءَ، وَلَمْ يَجْعَلِ الله النساء كالعمومة والآباء، ولا

كالعصبية والاؤلياء، وقد أنزل الله (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء: ٢١٤] وَكَانَ لَهُ حِينَئِذٍ أربعة أعمام، فاستجاب له اثنان أحدهما جدنا، وكفر اثنان أحدهما أبوك - يعني جده أبا طالب - فَقَطَعَ اللَّهُ وِلَايَتَهُمَا مِنْهُ وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَهُمَا إِلّاً وَلَا ذِمَّةً، وقد أنزل الله فيَّ عَدَمِ إِسْلَامِ أَبِي طَالِبٍ (إِنَّكَ لَا


(١) زيد في الطبري وابن الاثير: وأصرحهم أبا، لم تعرق في العجم، ولم تنازع في أمهات الأولاد ... (*)

<<  <  ج: ص:  >  >>