للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إني لأمرُّ بالحائك يتغنى فأسد أذني مخافة أن أحفظ ما يقول.

وقال: لَأَنْ أَتْرُكَ عَشَرَةَ آلَافِ دِينَارٍ يُحَاسِبُنِي اللَّهُ عليها أحل إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْتَاجَ إِلَى النَّاسِ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: أَجْمَعُوا أَنَّهُ تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ، وَكَانَ عُمْرُهُ يَوْمَ مَاتَ أَرْبَعًا وَسِتِّينَ سَنَةً، وَرَآهُ بَعْضُهُمْ فِي الْمَنَامِ يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ مِنْ نَخْلَةٍ إِلَى نخلة، ومن شجرة إلى شجرة، وَهُوَ يَقْرَأُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ) [الزمر: ٧٤] الآية.

وقال: إذا ترأس الرجل سريعاً أخَّر بكثير من العلم.

[وممن توفي فيها]

أَبُو دُلَامَةَ زَنْدُ (١) بْنُ الْجَوْنِ الشَّاعِرُ الْمَاجِنُ، أَحَدُ الظُّرَفَاءِ، أَصْلُهُ مِنَ الْكُوفَةِ وَأَقَامَ بِبَغْدَادَ وحظي عند المنصور لأنه كان يضحكه وينشده الأشعار ويمدحه، حضر يوماً جنازة امرأة المنصور - وكانت ابنة عمه - يقال لها حمادة بنت عيسى، وكان المنصور قد حزن عليها، فلما سووا عليها التراب وكان أبو دلامة حاضراً، فقال له المنصور: وَيْحَكَ يَا أَبَا دُلَامَةَ، مَا أَعْدَدْتَ لِهَذَا اليوم؟ فَقَالَ: ابْنَةَ عَمِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ.

فَضَحِكَ الْمَنْصُورُ حتى استلقى، ثم قال: ويحك فضحتنا.

وَدَخَلَ يَوْمًا عَلَى الْمَهْدِيِّ يُهَنِّئُهُ بِقُدُومِهِ مِنْ سَفَرِهِ وَأَنْشَدَهُ: إِنِّي حَلَفْتُ (٢) لَئِنْ رَأَيْتُكُ سَالِمًا * بِقُرَى الْعِرَاقِ وَأَنْتَ ذُو وَفْرِ لَتُصَلِّيَنَّ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ * وَلَتَمْلَأَنَّ دَرَاهِمًا حِجْرِي فَقَالَ الْمَهْدِيُّ: أما الأول فنعم، نصلي على النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأما الثاني فلا.

فقال: يا أمير المؤمنين هما كلمتان فلا تفرق بينهما.

فأمر أن يملأ حِجْرَهُ دَرَاهِمَ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: قُمْ! فَقَالَ: ينخرق منها قميصي فأفرغت منه في أكياسها ثم قام فحملها وذهب.

وذكر عنه ابن خلكان أنه مرض ابن له فَدَاوَاهُ طَبِيبٌ فَلَمَّا عُوفِيَ قَالَ لَهُ: لَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ، وَلَكِنِ ادَّع عَلَى فُلَانٍ اليهودي بمبلغ ما تستحقه عندنا من أجرتك حتى أشهد أنا وولدي عليه بالمبلغ المذكور.

قال: فذهب الطبيب إلى قاضي الكوفة مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى - وقيل ابن شبرمة - فادَّعى عليه عنده فَأَنْكَرَ الْيَهُودِيُّ فَشَهِدَ عَلَيْهِ أَبُو دُلَامَةَ وَابْنُهُ، فَلَمْ يَسْتَطِعِ الْقَاضِي أَنْ يَرُدَّ شَهَادَتَهُمَا وَخَافَ من طلب التزكية فأعطى الطبيب المدعي


(١) من وفيات الاعيان ٢ / ٣٢٠ والاغاني ١٠ / ٢٣٥ وترجمته في تاريخ بغداد ٨ / ٤٨٨ والشعر والشعراء / ٦٦٠ وطبقات ابن المعتز ص / ٥٤ ومعجم الادباء ١١ / ١٦٥ والمؤتلف: ٢٣١ ومعاهد التنصيص ٢ / ٢١١.
وورد اسمه في الاصل زيد وهو تحريف.
قال في الاغاني: أكثر الناس يصحف اسمه (زيد) وذلك خطأ وهو زند بالنون.
وهو كوفي أسود مولى لبني أسد.
(٢) .
في الاغاني ١٠ / ٢٥٣: نذرت.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>