للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَضَلَالَتِهِ خَلْقٌ مِنَ الطَّغَامِ وَسُفَهَاءِ الْأَنَامِ، وَالسَّفِلَةِ من العوام، فلما كان في هذا العام لجأ إلى قلعة كش فحاصره سعيد الحريثي (١) فَأَلَحَّ عَلَيْهِ فِي الْحِصَارِ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِالْغَلَبَةِ تَحَسَّى سُمًّا وَسَمَّ نِسَاءَهُ فَمَاتُوا جَمِيعًا، عَلَيْهِمْ لِعَائِنُ اللَّهِ.

وَدَخَلَ الْجَيْشُ الْإِسْلَامِيُّ قَلْعَتَهُ فَاحْتَزُّوا رَأَسَهُ وَبَعَثُوا بِهِ إِلَى الْمَهْدِيِّ، وَكَانَ الْمَهْدِيُّ بحلب.

قال ابن خلكان: كان اسم المقنع عطاء، وقيل جكيم، وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ (٢) .

وَكَانَ أَوَّلًا قَصَّارًا ثُمَّ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ أَعْوَرَ قَبِيحَ الْمَنْظَرِ، وكان يتخذ له وجهاً من ذهب (٣) ، وتابعه على جهالته خلق كثير، وَكَانَ يُرِي النَّاسَ قَمَرًا يُرَى مِنْ مَسِيرَةِ شهرين ثم يغيب، فعظم اعتقادهم له وَمَنَعُوهُ بِالسِّلَاحِ، وَكَانَ يَزْعُمُ - لَعَنَهُ اللَّهُ وَتَعَالَى عما يقولون عُلُوًّا كَبِيرًا - أَنَّ اللَّهَ ظَهَرَ فِي صُورَةِ آدَمَ، وَلِهَذَا سَجَدَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ، ثُمَّ فِي نُوحٍ، ثُمَّ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَاحِدًا وَاحِدًا، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيِّ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إليه.

ولما حاصروه الْمُسْلِمُونَ فِي قَلْعَتِهِ الَّتِي كَانَ جَدَّدَهَا بِنَاحِيَةِ كَشٍّ مِمَّا وَرَاءَ النَّهْرِ وَيُقَالُ لَهَا سَنَامُ (٤) ، تحسى هو ونساؤه سماً فماتوا واستحوذ المسلمون على حواصله وأمواله.

وَفِيهَا جَهَّزَ الْمَهْدِيُّ الْبُعُوثَ مِنْ خُرَاسَانَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ لِغَزْوِ الرُّومِ، وَأَمَّرَ عَلَى الْجَمِيعِ وَلَدَهُ هَارُونَ الرَّشِيدَ، وَخَرَجَ مِنْ بَغْدَادَ مُشَيِّعًا لَهُ، فَسَارَ مَعَهُ مَرَاحِلَ (٥) وَاسْتَخْلَفَ عَلَى بَغْدَادَ وَلَدَهُ مُوسَى الْهَادِي، وَكَانَ فِي هَذَا الْجَيْشِ الْحَسَنُ (٦) بْنُ قَحْطَبَةَ وَالرَّبِيعُ الْحَاجِبُ وَخَالِدُ بْنُ بَرْمَكَ - وَهُوَ مِثْلُ الْوَزِيرِ لِلرَّشِيدِ وَلِيِّ الْعَهْدِ - وَيَحْيَى بْنُ خَالِدٍ - وَهُوَ كَاتِبُهُ وَإِلَيْهِ النَّفَقَاتُ - وَمَا زَالَ الْمَهْدِيُّ مَعَ وَلَدِهِ مُشَيِّعًا لَهُ حتى بلغ الرشيد إلى بلاد الروم، وَارْتَادَ هُنَاكَ الْمَدِينَةَ الْمُسَمَّاةَ بِالْمَهْدِيَّةِ فِي بِلَادِ الرُّومِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الشَّامِ وَزَارَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَسَارَ الرَّشِيدُ إِلَى بِلَادِ الرُّومِ فِي جحافل عظيمة، وفتح اللَّهُ عَلَيْهِمْ فُتُوحَاتٍ كَثِيرَةً، وَغَنِمُوا أَمْوَالًا جَزِيلَةً جِدًّا، وَكَانَ لِخَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ جَمِيلٌ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ، وَبَعَثُوا بِالْبِشَارَةِ مَعَ سُلَيْمَانَ بْنِ بَرْمَكَ إِلَى الْمَهْدِيِّ فَأَكْرَمَهُ الْمَهْدِيُّ وَأَجْزَلَ عَطَاءَهُ.

وَفِيهَا عَزَلَ الْمَهْدِيُّ عَمَّهُ عَبْدَ الصَّمَدِ بْنَ عَلِيٍّ عَنِ الْجَزِيرَةِ وَوَلَّى عَلَيْهَا زُفَرَ بْنَ عَاصِمٍ الْهِلَالِيَّ، ثُمَّ عَزَلَهُ وَوَلَّى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَالِحِ بْنِ عَلِيٍّ.

وَفِيهَا وَلَّى الْمَهْدِيُّ وَلَدَهُ هَارُونَ الرَّشِيدِ بِلَادَ الْمَغْرِبِ وَأَذْرَبِيجَانَ وَأَرْمِينِيَّةَ، وَجَعَلَ عَلَى رَسَائِلِهِ يَحْيَى بْنَ خَالِدِ بْنِ بَرْمَكَ، وَوَلَّى وَعَزَلَ جَمَاعَةً من النواب.

وحج بالناس فيها علي بن المهدي.


(١) في الطبري ٩ / ٣٤٢: الحرشي.
(٢) في الاثار الباقية ص ٢١١: اسمه هاشم بن حكيم.
(٣) قيل له المقنع لأنه كان لا يسفر عن وجهه بل اتخذ وجهاً من ذهب تقنع به فقد كان مشوه الخلق.
(٤) في المشترك ٢٥٤ لياقوت: وسنام أربعة مواضع والموضع الرابع منها سنام قلعة عمرها المقنع الخارجي بما وراء النَّهر.
قال ابن خلكان: انها من رستاق كش.
(٥) عسكر بالبردان (انظر الطبري ٩ / ٣٤٢ - ابن الأثير ٦ / ٦٠) .
(٦) من الطبري وابن الاثير، وفي الاصل: الحسين وهو تحريف.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>