للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسلم الْخَاسِرُ الشَّاعِرُ وَهُوَ سَلْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَمَّادِ بْنِ عَطَاءٍ، وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ الْخَاسِرُ لِأَنَّهُ بَاعَ مُصْحَفًا وَاشْتَرَى بِهِ دِيوَانَ شِعْرٍ لامرئ القيس، وَقِيلَ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ مِائَتَيْ أَلْفٍ فِي صِنَاعَةِ الأدب (١) .

وقد كان شاعراً منطقياً لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْإِنْشَاءِ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ، كما قال في موسى الْهَادِي: مُوسَى الْمَطَرْ غَيْثُ بَكَرْ ثُمَّ انْهَمَرْ كم اعتبر ثم فتر وَكَمْ قَدَرْ ثُمَّ غَفَرْ عَدْلُ السِّيَرْ بَاقِي الْأَثَرْ خَيْرُ الْبَشَرْ فَرْعُ مُضَرْ بَدْرٌ بَدَرْ لِمَنْ نَظَرْ هُوَ الْوَزَرْ لِمَنْ حَضَرْ وَالْمُفْتَخَرْ لمن غبر.

وذكر الخطيب أَنَّهُ كَانَ عَلَى طَرِيقَةٍ غَيْرِ مَرْضِيَّةٍ مِنَ الْمُجُونِ وَالْفِسْقِ، وَأَنَّهُ كَانَ مِنْ تَلَامِيذِ بَشَّارِ ابن بُرْدٍ، وَأَنَّ نَظْمَهُ أَحْسَنُ مِنْ نَظْمِ بِشَّارٍ، فمما غلب فيه بشاراً قوله: مَنْ رَاقَبَ النَّاسَ لَمْ يَظْفَرْ بِحَاجَتِهِ * وَفَازَ بِالطَّيِّبَاتِ الْفَاتِكُ اللَّهِجْ

فَقَالَ سَلْمٌ: مَنْ رَاقَبَ النَّاسَ مَاتَ غَمًّا * وَفَازَ بِاللَّذَّةِ الْجَسُورُ فَغَضِبَ بشار وقال: أخذ معاني كلامي فكسناها أَلْفَاظًا أَخَفَّ مِنْ أَلْفَاظِي.

وَقَدْ حَصَلَ لَهُ من الخلفاء والبرامكة نحواً مَنْ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.

وَلَمَّا مَاتَ تَرَكَ سِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دينار وديعة عند أبي الشمر (٢) الغساني، فغنى إبراهيم الموصلي يوماً الرشيد فأطر به فَقَالَ لَهُ: سَلْ.

فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أسألك شيئاً ليس فيه من مالك شئ، ولا أرزأوك شيئاً سواه.

قَالَ: وَمَا هُوَ؟ فَذَكَرَ لَهُ وَدِيعَةَ سَلْمٍ الْخَاسِرِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا.

فَأَمَرَ لَهُ بِهَا (٣) .

وَيُقَالُ إنَّها كَانَتْ خَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ.

والعباس بن محمد ابن علي بن عبد الله بن عباس عم الرَّشِيدِ، كَانَ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ، وَلِيَ إِمَارَةَ الْجَزِيرَةِ فِي أَيَّامِ الرَّشِيدِ، وَقَدْ أَطْلَقَ لَهُ الرشيد في يوم خمسة آلاف دِرْهَمٍ، وَإِلَيْهِ تُنْسَبُ الْعَبَّاسِيَّةُ، وَبِهَا دُفِنَ وَعُمْرُهُ خمس وستون سنة، وصلى عليه الأمين.

ويقطين بْنُ مُوسَى كَانَ أَحَدَ الدُّعَاةِ إِلَى دَوْلَةِ بَنِي العبَّاس، وَكَانَ دَاهِيَةً ذَا رَأْيٍ، وَقَدِ احتال مرة حيلة عظيمة لما


(١) في الاغاني ١٩ / ٢٦١ ووفيات الاعيان ٢ / ٣٥٠: لقب بالخاسر لأنه باع مصحفاً واشترى بثمنه طنبورا.
(٢) في وفيات الاعيان: أبي السمراء.
(٣) في الاغاني ١٩ / ٢٨٠: ان الرشيد هو الذي أخذ تركة سلم الخاسر وقال: هذا خادمي ونديمي والذي خلفه من مالي، فأنا أحق به.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>