للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رافع وتفاقم الأمر به.

وفيها سار الرَّشِيدُ لِغَزْوِ بِلَادِ الرُّومِ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ، وَقَدْ لَبِسَ عَلَى رَأْسِهِ قَلَنْسُوَةً فَقَالَ فيها أبو المعلا الْكِلَابِيُّ: فَمَنْ يَطْلُبْ لِقَاءَكَ أَوْ يُرِدْهُ * فَبِالْحَرَمَيْنِ أو أقصى الثغور ففي أرض العدو على طمر * وفي أرض الترفه فَوْقَ كُورِ وَمَا حَازَ الثُّغُورَ سِوَاكَ خَلْقٌ * من المتخلفين على الأمور فسار حتى وصل إلى الطوانة فعسكر بها وبعث إِلَيْهِ نَقْفُورُ بِالطَّاعَةِ وَحَمَلَ الْخَرَاجَ وَالْجِزْيَةَ حَتَّى عن رأس ولده ورأسه، وأهل مملكته، في كل سنة خمسة عشر أَلْفَ دِينَارٍ، وَبَعَثَ يَطْلُبُ مِنَ الرَّشِيدِ جَارِيَةً قد أسروها وكانت ابْنَةَ مَلِكِ هِرَقْلَةَ (١) ، وَكَانَ قَدْ خَطَبَهَا عَلَى وَلَدِهِ، فَبَعَثَ بِهَا الرَّشِيدُ مَعَ هَدَايَا وَتُحَفٍ وطيب بعث يطلبه من الرشيد، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ الرَّشِيدُ أَنْ يَحْمِلَ فِي كُلِّ سنة ثلثمائة أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَنْ لَا يُعَمِّرَ هِرَقْلَةَ.

ثُمَّ انْصَرَفَ الرَّشِيدُ رَاجِعًا وَاسْتَنَابَ عَلَى الْغَزْوِ عَقَبَةَ بن جعفر ونقض أهل قبرص الْعَهْدَ

فَغَزَاهُمْ مَعْيُوفُ بْنُ يَحْيَى، فَسَبَى أَهْلَهَا وَقَتَلَ مِنْهُمْ خَلْقًا كَثِيرًا.

وَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَبَعَثَ إِلَيْهِ الرَّشِيدُ مَنْ قَتَلَهُ.

وحج بالناس فيها عيسى بن موسى الهادي.

مَنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ وَالْمَشَاهِيرِ أَسَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ أَبُو الْمُنْذِرِ الْبَجَلِيُّ الكوفي صاحب أبي حنيفة، حكم ببغداد وبواسط، فلما انكف بصره عزل نفسه عن القضاء.

قال أحمد بن حنبل: كَانَ صَدُوقًا.

وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ علي بن المديني والبخاري.

وسعدون الْمَجْنُونُ صَامَ سِتِّينَ سَنَةً فَخَفَّ دِمَاغُهُ فَسَمَّاهُ الناس مجنوناً، وَقَفَ يَوْمًا عَلَى حَلْقَةِ ذِي النُّونِ الْمِصْرِيِّ فَسَمِعَ كَلَامَهُ فَصَرَخَ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: وَلَا خَيْرَ فِي شَكْوَى إِلَى غَيْرِ مُشْتَكَى * وَلَا بُدَّ مِنْ شَكْوَى إِذَا لَمْ يَكُنْ صَبْرُ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: مَرَرْتُ بِهِ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ رأس شيخ سكران يذب عنه، فقلت له: مَا لِي أَرَاكَ عِنْدَ رَأْسِ هَذَا الشَّيْخِ؟ فقال: إنه مجنون.

فقلت: أنت مجنون أَوْ هُوَ؟ قَالَ: لَا بَلْ هُوَ، لِأَنِّي صليت الظهر والعصر في جَمَاعَةً وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ جَمَاعَةً وَلَا فُرَادَى.

وهو مع هذا قد شرب الخمر وأنا لم أشربها.

قُلْتُ: فَهَلْ قُلْتَ فِي هَذَا شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: تَرَكْتُ النَّبِيذَ لِأَهْلِ النَّبِيذِ * وَأَصْبَحْتُ أَشْرَبُ مَاءَ قَرَاحًا لِأَنَّ النَّبِيذَ يذل العزيز * ويكسو السواد الْوُجُوهَ الصِّبَاحَا فَإِنْ كَانَ ذَا جَائِزًا لِلشَّبَابِ * فما العذر منه إذا الشيب لاحا


(١) نسخة كتاب نقفور إلى الرشيد في شأن ابنته الاسيرة في الطبري ١٠ / ٩٩.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>