للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مات لَيْلَةَ السَّبْتِ، وَقِيلَ لَيْلَةَ الْأَحَدِ مُسْتَهَلَّ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ، عَنْ خَمْسٍ، وقيل سبع وأربعين سنة.

وكان ملكه ثلاثاً وعشرين سنة.

وَهَذِهِ تَرْجَمَتُهُ

هُوَ هَارُونُ الرَّشِيدُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ابْنُ الْمَهْدِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَنْصُورِ أَبِي جَعْفَرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ علي ابن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، الْقُرَشِيُّ الْهَاشِمِيُّ، أَبُو مُحَمَّدٍ، وَيُقَالُ أَبُو جَعْفَرٍ.

وأمه الخيزران أم ولد.

كان مَوْلِدُهُ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ سِتٍّ وَقِيلَ سَبْعٍ، وَقِيلَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، وَقِيلَ إِنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ، وَبُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ مَوْتِ أَخِيهِ مُوسَى الْهَادِي فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَةٍ، بِعَهْدٍ مِنْ أَبِيهِ الْمَهْدِيِّ.

رَوَى الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ، وَحَدَّثَ عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ " (١) .

أَوْرَدَهُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ، وَقَدْ حدَّث عَنْهُ ابْنُهُ وَسُلَيْمَانُ الْهَاشِمِيُّ وَالِدُ إِسْحَاقَ، وَنُبَاتَةُ بْنُ عَمْرٍو.

وَكَانَ الرَّشِيدُ أَبْيَضَ طَوِيلًا سَمِينًا جَمِيلًا، وَقَدْ غَزَا الصَّائِفَةَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ مِرَارًا، وَعَقَدَ الْهُدْنَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ والرُّوم بَعْدَ مُحَاصَرَتِهِ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَقَدْ لَقِيَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ جَهْدًا جَهِيدًا وَخَوْفًا شَدِيدًا، وكان الصلح مع امرأة ليون وَهِيَ الْمُلَقَّبَةُ بِأُغُسْطَةَ عَلَى حَمْلٍ كَثِيرٍ تَبْذُلُهُ للمسلمين في كل عام، ففرح المسلمون بذلك، وكان هذا هو الذي حدا أباه على البيعة له بعد أخيه في سنة وستين ومائة، ثم لما أفضت إليه الخلافة في سنة سبعين كَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ سِيرَةً وَأَكْثَرِهِمْ غَزْوًا وحجاً، وَلِهَذَا قَالَ فِيهِ أَبُو

السَّعْلِيِّ (٢) : فَمَنْ يَطْلُبْ لِقَاءَكَ أَوْ يُرِدْهُ * فَبِالْحَرَمَيْنِ أَوْ أَقْصَى الثُّغُورِ ففي أرض العدو على طمر * وفي أرض الترفه (٣) فَوْقَ كُورِ وَمَا حَازَ الثُّغُورَ سِوَاكَ خَلْقٌ * من المتخلفين عَلَى الْأُمُورِ وَكَانَ يَتَصَدَّقُ مِنْ صُلْبِ مَالِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَإِذَا حَجَّ أَحَجَّ مَعَهُ مِائَةً مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَبْنَائِهِمْ وَإِذَا لَمْ يَحُجَّ أَحَجَّ ثَلَاثَمِائَةٍ بِالنَّفَقَةِ السَّابِغَةِ وَالْكُسْوَةِ التَّامَّةِ، وَكَانَ يُحِبُّ التَّشَبُّهَ بِجَدِّهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ إِلَّا فِي الْعَطَاءِ، فَإِنَّهُ كَانَ سَرِيعَ الْعَطَاءِ جَزِيلَهُ، وَكَانَ يُحِبُّ الْفُقَهَاءَ وَالشُّعَرَاءَ وَيُعْطِيهِمْ، ولا


(١) أخرجه البخاري في الادب والزكاة والرقاق والتوحيد، ومسلم في الزكاة ح (٦٦ - ٦٧ - ٦٨ - ٧٠) والترمذي في القيامة (١) والزهد (٣٧) والنسائي والدارمي في الزكاة وابن ماجة في المقدمة (١٣) والزكاة (٣٨) وأحمد في المسند ١ / ٢٨٨، ٤٤٦ و ٤ / ٢٥٦، ٣٥٨، ٦ / ٧٩، ١٣٨.
(٢) في الطبري ١٠ / ٩٩: أبو المعالي الكلابي.
(٣) في فوات الوفيات ٤ / ٢٢٥: الثنية.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>