للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على بن موسى ابن جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، الْقُرَشِيُّ الْهَاشِمِيُّ العلوي الملقب بالرضى، كَانَ الْمَأْمُونُ قَدْ همَّ أَنْ يَنْزِلَ لَهُ عن الخلافة فأبى عليه ذَلِكَ، فَجَعَلَهُ وَلِيَّ الْعَهْدِ مِنْ بَعْدِهِ كَمَا قدمنا ذلك.

توفي فِي صَفَرٍ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ بِطُوسَ.

وَقَدْ رَوَى الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ جَمَاعَةٌ منهم المأمون وأبو السلط الْهَرَوِيُّ وَأَبُو عُثْمَانَ الْمَازِنِيُّ النَّحْوِيُّ، وَقَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: اللَّهُ أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُكَلِّفَ

الْعِبَادَ مَا لَا يُطِيقُونَ، وَهُمْ أَعْجَزُ مِنْ أَنْ يَفْعَلُوا مَا يُرِيدُونَ.

وَمِنْ شِعْرِهِ: كُلُّنَا يَأْمَلُ مدَّاً فِي الْأَجَلْ * وَالْمَنَايَا هُنَّ آفَاتُ الْأَمَلْ لَا تغرنَّك أَبَاطِيلُ الْمُنَى * وَالْزَمِ الْقَصْدَ وَدَعْ عَنْكَ الْعِلَلْ إِنَّمَا الدُّنْيَا كَظِلٍّ زَائِلٍ * حلَّ فيه راكب ثم ارتحل

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ

فِيهَا كَانَ قُدُومُ الْمَأْمُونِ أَرْضَ الْعِرَاقِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مرَّ بِجُرْجَانَ فَأَقَامَ بِهَا شَهْرًا، ثُمَّ سَارَ مِنْهَا وَكَانَ يَنْزِلُ فِي الْمَنْزِلِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّهْرَوانِ فَأَقَامَ بِهَا ثَمَانِيَةَ أيام، وقد كَتَبَ إِلَى طَاهِرِ بْنِ الْحُسَيْنِ وَهُوَ بِالرَّقَّةِ أَنْ يُوَافِيَهُ إِلَى النَّهْرَوانِ فَوَافَاهُ بِهَا وَتَلَقَّاهُ رؤوس أَهْلِ بَيْتِهِ وَالْقُوَّادُ وَجُمْهُورُ الْجَيْشِ، فَلَمَّا كَانَ يوم السبت الآخر دخل بغداد حين ارتفع النهار لأربع عشرة ليلة خلت (١) مِنْ صَفَرٍ، فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ وَجَيْشٍ عَظِيمٍ، وعليه وعلى جميع أصحابه وفتيانه الخضرة، فلبس أهل بغداد وجميع بني هاشم الْخُضْرَةَ، وَنَزَلَ الْمَأْمُونُ بِالرُّصَافَةِ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى قصر عَلَى دِجْلَةَ، وَجَعَلَ الْأُمَرَاءُ وَوُجُوهُ الدَّوْلَةِ يَتَرَدَّدُونَ إلى منزله عَلَى الْعَادَةِ، وَقَدْ تَحَوَّلَ لِبَاسُ الْبَغَادِدَةِ إِلَى الْخُضْرَةِ، وَجَعَلُوا يَحْرِقُونَ كُلَّ مَا يَجِدُونَهُ مِنَ السواد، فمكثوا كذلك ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ.

ثُمَّ اسْتَعْرَضَ حَوَائِجَ طَاهِرِ بْنِ الْحُسَيْنِ فَكَانَ أَوَّلَ حَاجَةٍ سَأَلَهَا أَنْ يَرْجِعَ إلى لباس السواد، فإنه لباس آئابه مِنْ دَوْلَةِ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ.

فَلَمَّا كَانَ السَّبْتُ الآخر وهو الثامن والعشرين مِنْ صَفَرٍ جَلَسَ الْمَأْمُونُ لِلنَّاسِ وَعَلَيْهِ الْخُضْرَةُ، ثُمَّ إِنَّهُ أَمَرَ بِخِلْعَةٍ سَوْدَاءَ فَأَلْبَسَهَا طَاهِرًا، ثُمَّ أَلْبَسَ بَعْدَهُ جَمَاعَةً مِنَ الْأُمَرَاءِ السَّوَادَ، فلبس الناس السواد وعادوا إلى ذلك، فعلم منهم بذلك الطاعة والموافقة، وقيل أنه مَكَثَ يَلْبَسُ الْخُضْرَةَ بَعْدَ قُدُومِهِ بَغْدَادَ سَبْعًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ عَمُّهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمَهْدِيِّ بَعْدَ اخْتِفَائِهِ سِتَّ سِنِينَ وَشُهُورًا قَالَ لَهُ الْمَأْمُونُ: أَنْتَ الْخَلِيفَةُ الْأَسْوَدُ، فَأَخَذَ فِي الِاعْتِذَارِ وَالِاسْتِغْفَارِ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا الَّذِي مَنَنْتَ عَلَيْهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بالعفو، وأنشد المأمون عند ذلك:


(١) في الطبري ١٠ / ٢٥٤: بقيت، وفي ابن الاثير ٦ / ٣٠٤: دخل بغداد منتصف صفر.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>