للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ - فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ فَجَرَتْ بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ طَوِيلَةٌ اسْتَقْصَاهَا ابْنُ جَرِيرٍ، وَكَانَ آخر ذلك أسر المازيار وحمله إلى ابن طَاهِرٍ، فَاسْتَقَرَّهُ عَنِ الْكُتُبِ الَّتِي بَعَثَهَا إِلَيْهِ الافشين فأقربها، فأرسله إلى المعتصم وما معه من أمواله التي احتفظت للخليفة، وهي أشياء كثيرة جداً، من الجواهر والذهب

وَالثِّيَابِ.

فَلَمَّا أُوْقِفَ بَيْنَ يَدَيِ الْخَلِيفَةِ سَأَلَهُ عَنْ كُتُبِ الْأَفْشِينِ إِلَيْهِ فَأَنْكَرَهَا، فَأَمَرَ بِهِ فَضُرِبَ بِالسِّيَاطِ حَتَّى مَاتَ وَصُلِبَ إِلَى جَانِبِ بَابَكَ الخرَّمي عَلَى جِسْرِ بَغْدَادَ، وَقُتِلَ عُيُونُ أصحابه وأتباعه.

وفيها تَزَوَّجَ الْحَسَنُ بْنُ الْأَفْشِينِ بِأُتْرُجَّةَ بِنْتِ أَشْنَاسَ وَدَخَلَ بِهَا فِي قَصْرِ الْمُعْتَصِمِ بِسَامَرَّا فِي جمادى، وكان عرساً حافلاً، وليه الْمُعْتَصِمُ بِنَفْسِهِ، حَتَّى قِيلَ إِنَّهُمْ كَانُوا يُخَضِّبُونَ لحا الْعَامَّةِ بِالْغَالِيَةِ.

وَفِيهَا خَرَجَ مَنْكَجُورُ الْأُشْرُوسَنِيُّ قُرَابَةَ الْأَفْشِينِ بِأَرْضِ أَذْرَبِيجَانَ وَخَلَعَ الطَّاعَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَفْشِينَ كَانَ قَدِ اسْتَنَابَهُ عَلَى بِلَادِ أَذْرَبِيجَانَ حتن فَرَغَ مِنْ أَمْرِ بَابَكَ، فَظَفِرَ مَنْكَجُورُ بِمَالٍ عظيم مخزون لبابك في بعض البلدان، فأخذه لنفسه وأخفاه عن المعتصم، وَظَهَرَ عَلَى ذَلِكَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الله بن عبد الرحمن، فكتب إلى الْخَلِيفَةَ فِي ذَلِكَ فَكَتَبَ مَنْكَجُورُ يُكَذِّبُهُ فِي ذَلِكَ، وَهَمَّ بِهِ لِيَقْتُلَهُ فَامْتَنَعَ مِنْهُ بِأَهْلِ أَرْدَبِيلَ.

فَلَمَّا تَحَقَّقَ الْخَلِيفَةُ كَذِبَ مَنْكَجُورَ بَعَثَ إِلَيْهِ بُغَا الْكَبِيرَ فَحَارَبَهُ وَأَخَذَهُ بِالْأَمَانِ وَجَاءَ به إلى الخليفة.

وفيها مات مناطس الرومي نائب عمورية، وذلك أن المعتصم أخذه معه أسيراً فاعتقله بسامرا حتى مات في هذه السنة.

وفي رمضان منها مات إبراهيم بن المهدي بن المنصور عن المعتصم ويعرف بابن شكله، وكان أَسْوَدَ اللَّوْنِ ضَخْمًا فَصِيحًا فَاضِلًا، قَالَ ابْنُ ماكولا: وكان يقال له الصيني - يعني لسواده - وقد كان ترجمه ابن عساكر تَرْجَمَةً حَافِلَةً، وَذَكَرَ أَنَّهُ وَلِيَ إِمْرَةَ دِمَشْقَ نيابة عن الرشيد أخيه مدة سنتين ثم عزله عنها ثم أعاده إليها الثانية فأقام بِهَا أَرْبَعَ سِنِينَ.

وَذَكَرَ مِنْ عَدْلِهِ وَصَرَامَتِهِ أَشْيَاءَ حَسَنَةً، وَأَنَّهُ أَقَامَ لِلنَّاسِ الْحَجَّ سَنَةَ أربع وثمانين، ثم عاد إلى دمشق، ولما بويع بالخلافة فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ الْمَأْمُونِ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَمِائَتَيْنِ قَاتَلَهُ الْحَسَنُ بْنُ سَهْلٍ نَائِبُ بَغْدَادَ، فَهَزَمَهُ إبراهيم هذا، فَقَصَدَهُ حُمَيْدٌ الطُّوسِيُّ فَهَزَمَ إِبْرَاهِيمَ وَاخْتَفَى إِبْرَاهِيمُ ببغداد حين قدمها المأمون، ثم ظفر به المأمون فعفا عنه وأكرمه.

وكانت مدة ولايته الخلافة سنة وأحد عشر شهراً واثنا عَشَرَ يَوْمًا، وَكَانَ بَدْءُ اخْتِفَائِهِ فِي أَوَاخِرِ ذي الحجة سنة ثلاث ومائتين، فمكث مختفياً ست سنين وأربعة أشهر وعشراً.

قال الخطيب: كان إبراهيم بن المهدي هذا وَافِرَ الْفَضْلِ غَزِيرَ الْأَدَبِ وَاسِعَ النَّفْسِ سَخِيَّ الكف، وكان معروفاً بصناعة الغناء، حاذقاً فيها وقد قلَّ المال عليه فِي أَيَّامِ خِلَافَتِهِ بِبَغْدَادَ فَأَلَحَّ الْأَعْرَابُ عَلَيْهِ في أعطياتهم فجعل يسوِّف بهم.

ثم خرج إِلَيْهِمْ رَسُولُهُ يَقُولُ: أنَّه لَا مَالَ عِنْدَهُ الْيَوْمَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلْيَخْرُجِ الْخَلِيفَةُ إِلَيْنَا

فَلْيُغَنِّ لأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات، ولأهل هذا الجانب ثلاثة أصوات.

فقال في ذلك دعبل شاعر المأمون يذم إبراهيم بن المهدي: يا معشر الأعراب لا تغلطوا * خُذُوا عَطَايَاكُمْ وَلَا تَسْخَطُوا فَسَوْفَ يُعْطِيكُمْ حُنَيْنِيَّةً * لَا تَدْخُلُ الْكِيسَ وَلَا تُرْبَطُ وَالْمَعْبَدِيَّاتُ لِقُوَّادِكُمْ * وَمَا بِهَذَا أَحَدٌ يُغْبَطُ

<<  <  ج: ص:  >  >>