للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّمَاءِ مَكْتُوبٌ فِيهِ جَعْفَرٌ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ، فعبره فَقِيلَ لَهُ هِيَ الْخِلَافَةُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ أَخَاهُ الواثق فسجنه حيناً ثم أرسله.

وفيها حج بالناس أمير الحجيج محمد بن داود.

وفيها توفي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى (١) ، وَعَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ (٢) النَّاقِدُ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ فِي يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ سَابِعِ صَفَرٍ مِنْهَا أَمَرَ الْخَلِيفَةُ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى اللَّهِ بِالْقَبْضِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ

الزَّيَّاتِ وَزِيرِ الْوَاثِقِ، وَكَانَ الْمُتَوَكِّلُ يُبْغِضُهُ لِأُمُورٍ، مِنْهَا أَنَّ أَخَاهُ الْوَاثِقَ غضب على المتوكل في بعض الأوقات وكان ابن الزيات يزيده غضباً عليه، فبقي ذلك في نفسه، ثُمَّ كَانَ الَّذِي اسْتَرْضَى الْوَاثِقَ عَلَيْهِ أَحْمَدُ بن أبي دؤاد فحظي بذلك عنده في أيام ملكه، ومنها أَنَّ ابْنَ الزَّيَّاتِ كَانَ قَدْ أَشَارَ بِخِلَافَةِ محمد بن الْوَاثِقِ بَعْدَ أَبِيهِ، وَلَفَّ عَلَيْهِ النَّاسَ، وَجَعْفَرٌ المتوكل في جنب دار الخلافة لم يلتفت إليه ولم يَتِمَّ الْأَمْرُ إِلَّا لِجَعْفَرٍ الْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ، رَغْمِ أَنْفِ ابْنِ الزَّيَّاتِ.

فَلِهَذَا أَمَرَ بِالْقَبْضِ عليه سريعاً فطلبه فركب بعد غدائه وهو يظن أن الخليفة بعث إليه، فانتهى به الرسول إلى دار إيتاخ أمير الشرطة فاحتيط به وَقُيِّدَ وَبَعَثُوا فِي الْحَالِ إِلَى دَارِهِ فَأُخِذَ جميع ما فِيهَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَاللَّآلِئِ وَالْجَوَاهِرِ وَالْحَوَاصِلِ وَالْجَوَارِي وَالْأَثَاثِ، وَوَجَدُوا فِي مَجْلِسِهِ الْخَاصِّ بِهِ آلَاتِ الشرب، وبعث المتوكل في الحال أيضاً إلى حواصله بسامرا وضياعه وما فيها فاحتاط عليها، وأمر به أن يعذب ومنعوه من الكلام، وَجَعَلُوا يُسَاهِرُونَهُ كُلَّمَا أَرَادَ الرُّقَادَ نُخِسَ بِالْحَدِيدِ، ثم وضعه بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي تَنُّورٍ مِنْ خَشَبٍ فِيهِ مَسَامِيرُ قَائِمَةٌ فِي أَسْفَلِهِ فَأُقِيمَ عَلَيْهَا ووكل به من يمنعه من القعود والرقاد، فَمَكَثَ كَذَلِكَ أَيَّامًا حَتَّى مَاتَ وَهُوَ كَذَلِكَ.

وَيُقَالُ إِنَّهُ أُخْرِجَ مِنَ التَّنُّورِ وَفِيهِ رَمَقٌ فَضُرِبَ عَلَى بَطْنِهِ ثُمَّ عَلَى ظَهْرِهِ حَتَّى مَاتَ وَهُوَ تَحْتَ الضَّرْبِ، وَيُقَالُ إِنَّهُ أُحْرِقَ ثُمَّ دُفِعَتْ جُثَّتُهُ إِلَى أَوْلَادِهِ فَدَفَنُوهُ، فَنَبَشَتْ عليه الكلاب فأكلت ما بقي من لحمه وجلده.

وَكَانَتْ وَفَاتُهُ لِإِحْدَى عَشْرَةَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْهَا.

وَكَانَ قِيمَةُ مَا وُجِدَ لَهُ مِنَ الحواصل نحواً من تسعين أَلْفِ دِينَارٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُتَوَكِّلَ سَأَلَهُ عن قتل أحمد بن نصر الخزاعي فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَحْرَقَنِي اللَّهُ بِالنَّارِ إِنْ قَتَلَهُ الْوَاثِقُ إِلَّا كَافِرًا.

قَالَ الْمُتَوَكِّلُ: فأنا أحرقته بالنار.

وفيها في جمادى الأولى منها بعد مهلك ابن الزيات فلج أحمد بن دؤاد القاضي المعتزلي.

فلم يزل مفلوجاً حَتَّى مَاتَ بَعْدَ أَرْبَعِ سِنِينَ وَهُوَ كَذَلِكَ، كما دعا على نفسه حين سأله المتوكل عن قتل أحمد بن نصر كَمَا تَقَدَّمَ.

ثُمَّ غَضِبَ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى جَمَاعَةٍ من الدواوين والعمال، وأخذ منهم أموالاً جزيلة جدا.


(١) أبو صالح القنطري البغدادي الحافظ سمع إسماعيل بن عياش وطبقته مات في شوال وكان أحد العباد.
(٢) أبو عثمان البغدادي نزيل الرقة وفقيهها ومحدثها سمع هشيما وطبقته توفي ببغداد في ذي الحجة.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>