للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّفِيسَةِ مَا يُقَوَّمُ بِعِشْرِينَ (١) أَلْفَ دِينَارٍ، ثُمَّ صُولِحَ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ.

كان ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ قَدْ أَصَابَهُ الْفَالِجُ كَمَا ذَكَرْنَا.

ثُمَّ نَفَى أَهْلَهُ مِنْ سَامَرَّا إِلَى بَغْدَادَ مُهَانِينَ، قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فَقَالَ فِي ذَلِكَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ: لَوْ كُنْتَ فِي الرَّأْيِ مَنْسُوبًا إِلَى رَشَدٍ * وَكَانَ عَزْمُكَ عَزْمًا فِيهِ تَوْفِيقُ لَكَانَ فِي الْفِقْهِ شُغْلٌ لَوْ قَنِعْتَ به * عن أن تقول كتاب الله مخلوق مَاذَا عَلَيْكَ وَأَصْلُ الدِّينِ يَجْمَعُهُمْ * مَا كَانَ فِي الْفَرْعِ لَوْلَا الْجَهْلُ وَالْمُوْقُ وَفِي عِيدِ الْفِطْرِ مِنْهَا أَمَرَ الْمُتَوَكِّلُ بِإِنْزَالِ جُثَّةِ أَحْمَدَ بن نصر الْخُزَاعِيِّ وَالْجَمْعِ بَيْنَ رَأْسِهِ وَجَسَدِهِ وَأَنْ يُسَلَّمَ إِلَى أَوْلِيَائِهِ، فَفَرِحَ النَّاسُ بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا، واجتمع فِي جِنَازَتِهِ خلقٌ كثيرٌ جِدًّا، وَجَعَلُوا يَتَمَسَّحُونَ بِهَا وَبِأَعْوَادِ نَعْشِهِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا.

ثُمَّ أَتَوْا إِلَى الْجِذْعِ الَّذِي صُلِبَ عَلَيْهِ فَجَعَلُوا يتمسحون به، وأرهج العامة بذلك فَرَحًا وَسُرُورًا، فَكَتَبَ الْمُتَوَكِّلُ إِلَى نَائِبِهِ يَأْمُرُهُ بردعهم عن تعاطي مثل هذا وعن المغالاة في البشر، ثم كتب المتوكل إِلَى الْآفَاقِ بِالْمَنْعِ مِنَ الْكَلَامِ فِي مَسْأَلَةِ الكلام والكف عن القول بخلق القرآن، وأن من تعلم علم الكلام لو تكلم فيه فالمطبق مأواه إلى أن يموت.

وأمر

الناس أن لا يشتغل أحد إلا بالكتاب والسنة لا غير، ثم أظهر إِكْرَامَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَاسْتَدْعَاهُ مِنْ بَغْدَادَ إِلَيْهِ، فَاجْتَمَعَ بِهِ فَأَكْرَمَهُ وَأَمَرَ لَهُ بِجَائِزَةٍ سَنِيَّةٍ فَلَمْ يَقْبَلْهَا، وَخَلَعَ عَلَيْهِ خِلْعَةً سَنِيَّةً مِنْ مَلَابِسِهِ فَاسْتَحْيَا مِنْهُ أَحْمَدُ كَثِيرًا فَلَبِسَهَا إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ نَازِلًا فِيهِ ثُمَّ نَزَعَهَا نَزْعًا عَنِيفًا وَهُوَ يَبْكِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَجَعَلَ الْمُتَوَكِّلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ يرسل إليه من طعامه الخاص ويظن أنه يأكل منه، وكان أَحْمَدُ لَا يَأْكُلُ لَهُمْ طَعَامًا بَلْ كَانَ صائماً مواصلاً طاوياً تلك الأيام، لأنه لم يتيسر له شئ يرضى أكله، ولكن كان ابنه صَالِحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ يَقْبَلَانِ تِلْكَ الْجَوَائِزَ وَهُوَ لا يشعر بشئ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْلَا أَنَّهُمْ أَسْرَعُوا الْأَوْبَةَ إِلَى بَغْدَادَ لَخُشِيَ عَلَى أَحْمَدَ أَنْ يَمُوتَ جُوعًا، وارتفعت السُّنَّةِ جِدًّا فِي أَيَّامِ الْمُتَوَكِّلِ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ لَا يُوَلِّي أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ مشورة الإمام أحمد، وكان وِلَايَةُ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ قَضَاءَ الْقُضَاةِ مَوْضِعَ ابن أبي دؤاد عن مشورته، وَقَدْ كَانَ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ هَذَا مِنْ أئمة السنة، وعلماء الناس، ومن المعظمين للفقه وَالْحَدِيثِ وَاتِّبَاعِ الْأَثَرِ، وَكَانَ قَدْ وَلَّى مِنْ جِهَتِهِ حَيَّانَ بْنَ بِشْرٍ قَضَاءَ الشَّرْقِيَّةِ، وَسَوَّارَ بن عبد الله قضاء الجانب الغربي، وكان كلاهما أعوراً.

فَقَالَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِ (٢) ابْنِ أَبِي دؤاد: رأيت من العجائب قَاضِيَيْنِ * هُمَا أُحْدُوثَةٌ فِي الْخَافِقَيْنِ هُمَا اقْتَسَمَا الْعَمَى نِصْفَيْنِ قَدًّا * كَمَا اقْتَسَمَا قَضَاءَ الْجَانِبَيْنِ ويحسب مِنْهُمَا مَنْ هَزَّ رَأْسًا * لِيَنْظُرَ فِي مَوَارِيثٍ ودين


(١) في مروج الذهب ٤ / ١١١: أربعين ألف دينار: ولم يذكر مصالحته له.
(٢) وهو الجماز كما في الطبري وابن الاثير.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>