للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتِسْعِينَ، وَجَاوَرَ إِلَى سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ سَافَرَ إلى عند عبد الرزاق إلى اليمن، فَكَتَبَ عَنْهُ هُوَ وَيَحْيَى بْنُ

مَعِينٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَجَجْتُ خَمْسَ حِجَجٍ مِنْهَا ثَلَاثٌ رَاجِلًا، أَنْفَقْتُ فِي إِحْدَى هَذِهِ الْحِجَجِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا.

قَالَ: وَقَدْ ضَلَلْتُ في بعضها عَنِ الطَّرِيقِ وَأَنَا مَاشٍ فَجَعَلْتُ أَقُولُ: يَا عِبَادَ اللَّهِ دَلُّونِي عَلَى الطَّرِيقِ، فَلَمْ أَزَلْ أَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى وَقَفْتُ عَلَى الطَّرِيقِ.

قَالَ: وَخَرَجْتُ إِلَى الْكُوفَةِ فَكُنْتُ فِي بَيْتٍ تَحْتَ رأسي لبنة، ولو كان عندي تسعون دِرْهَمًا كُنْتُ رَحَلْتُ إِلَى جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ إِلَى الرَّيِّ وَخَرَجَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَلَمْ يمكني الخروج لأنه لم يمكن عندي شئ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حرملة: سمعت الشافعي قال: وَعَدَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيَّ مِصْرَ فَلَمْ يَقْدَمْ.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: يشبه أن تكون خفة ذات اليد منعته أن يفي بِالْعِدَةِ.

وَقَدْ طَافَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْبِلَادِ وَالْآفَاقِ، وَسَمِعَ مِنْ مَشَايِخِ الْعَصْرِ، وَكَانُوا يُجِلُّونَهُ وَيَحْتَرِمُونَهُ فِي حَالِ سَمَاعِهِ مِنْهُمْ، وَقَدْ سَرَدَ شَيْخُنَا فِي تَهْذِيبِهِ أَسْمَاءَ شُيُوخِهِ مُرَتَّبِينَ عَلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، وَكَذَلِكَ الرُّوَاةَ عَنْهُ.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ جَمَاعَةً مِنْ شُيُوخِ الإمام أحمد: وقد ذكر أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ الرِّوَايَةَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَأَخَذَ عَنْهُ جُمْلَةً مِنْ كَلَامِهِ فِي أَنْسَابِ قُرَيْشٍ، وَأَخَذَ عَنْهُ مِنَ الْفِقْهِ مَا هُوَ مَشْهُورٌ، وَحِينَ تُوُفِّيَ أَحْمَدُ وَجَدُوا فِي تَرِكَتِهِ رِسَالَتَيِ الشَّافِعِيِّ الْقَدِيمَةَ وَالْجَدِيدَةَ.

قُلْتُ: قد أفرد ما رواه عن الشَّافِعِيِّ وَهِيَ أَحَادِيثُ لَا تَبْلُغُ عِشْرِينَ حَدِيثًا، وَمِنْ أَحْسَنِ مَا رُوِّينَاهُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عن الشافعي، عن مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ تَعَلَّقُ فِي شَجَرِ الجنة حتى يرجعه إلى جسده يوم بعث " (١) .

وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَحْمَدَ لَمَّا اجْتَمَعَ بِهِ في الرحلة الثانية إلى بغداد سَنَةِ تِسْعِينَ (٢) وَمِائَةٍ وَعُمُرُ أَحْمَدَ إِذْ ذَاكَ نَيِّفٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً.

قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إِذَا صَحَّ عِنْدَكُمُ الْحَدِيثُ فَأَعْلِمْنِي بِهِ أَذْهَبُ إِلَيْهِ حِجَازِيًّا كَانَ أَوْ شَامِيًّا أو عراقياً أو يمنياً - يعني لَا يَقُولُ بِقَوْلِ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ الَّذِينَ لَا يَقْبَلُونَ إِلَّا رِوَايَةَ الْحِجَازِيِّينَ وَيُنْزِلُونَ أَحَادِيثَ مَنْ سِوَاهُمْ مَنْزِلَةَ أَحَادِيثِ أَهْلِ الْكِتَابِ - وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ لَهُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ تَعْظِيمٌ لِأَحْمَدَ وَإِجْلَالٌ لَهُ وَإِنَّهُ عِنْدَهُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ إِذَا صَحَّحَ أَوْ ضعف يرجع إليه.

وَقَدْ كَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَالْعُلَمَاءِ كَمَا سَيَأْتِي ثَنَاءُ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِ واعترافهم له بعلو المكانة في العلم والحديث، وَقَدْ بَعُدَ صِيتُهُ فِي زَمَانِهِ وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ فِي شَبِيبَتِهِ فِي الْآفَاقِ.

ثُمَّ حَكَى الْبَيْهَقِيُّ كَلَامَ أَحْمَدَ فِي الْإِيمَانِ وَأَنَّهُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ ويزيد وينقص، وكلامه في الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَإِنْكَارُهُ عَلَى مَنْ يَقُولُ: إِنَّ لَفْظَهُ بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ يُرِيدُ به القرآن.

قال: وفيها حَكَى أَبُو عُمَارَةَ وَأَبُو جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ شَيْخُنَا السَّرَّاجُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قال: اللفظ محدث.

واستدل بقوله


(١) مسند الإمام أحمد ج ٣ / ٤٦٠.
(٢) تقدم أنهما اجتمعا سنة ١٩٥ هـ، انظر صفحة ٢٧٥.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>