للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودعبل بن علي ابن رَزِينِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْخُزَاعِيُّ، مَوْلَاهُمُ الشَّاعِرُ الْمَاجِنُ البليغ في المدح، وفي الهجاء أكثر.

حَضَرَ يَوْمًا عِنْدَ سَهْلِ بْنِ هَارُونَ الْكَاتِبِ كان بَخِيلًا، فَاسْتَدْعَى بِغَدَائِهِ فَإِذَا دِيكٌ فِي قَصْعَةٍ، وإذا هو قاس لا يقطعه سكين إلا بشدة، ولا يعمل فيه ضرس.

فلما حضر بين يديه فُقِدَ رَأَسُهُ فَقَالَ لِلطَّبَّاخِ وَيْلَكَ، مَاذَا صَنَعْتَ؟ أَيْنَ رَأْسُهُ، قَالَ: ظَنَنْتُ أَنَّكَ لَا تَأْكُلُهُ فَأَلْقَيْتُهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعِيبُ عَلَى مَنْ يُلْقِي الرِّجْلَيْنِ فَكَيْفَ بِالرَّأْسِ وَفِيهِ الْحَوَاسُّ الأربع، ومنه يصوت وبه، فضل عينيه وبهما يضرب المثل، وعرفه وبه يتبرك، وعظمه أهنى الْعِظَامِ، فَإِنْ كُنْتَ رَغِبْتَ عَنْ أَكْلِهِ فَأَحْضِرْهُ.

فَقَالَ: لَا أَدْرِي أَيْنَ هُوَ؟ فَقَالَ: بَلْ أَنَا أَدْرِي، هُوَ فِي بَطْنِكَ قَاتَلَكَ اللَّهُ.

فهجاه بأبيات ذكر فيها بخله ومسكه.

أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ وَاسْمُهُ (١) عَبْدُ اللَّهِ بن ميمون بن عياش بْنِ الْحَارِثِ أَبُو الْحَسَنِ التَّغْلِبِيُّ الْغَطَفَانِيُّ، أَحَدُ العلماء الزُّهَّادِ الْمَشْهُورِينَ، وَالْعُبَّادِ الْمَذْكُورِينَ، وَالْأَبْرَارِ الْمَشْكُورِينَ، ذَوِي الأحوال الصالحة، والكرامات الواضحة، أصله من الكوفة وسكن دمشق وتخرج بأبي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.

وَرَوَى الْحَدِيثَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَوَكِيعٍ وَأَبِي أُسَامَةَ وَخَلْقٍ.

وَعَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ

الدِّمَشْقِيُّ، وَأَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ وَخَلْقٌ كثير.

وقد ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ.

وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: إِنِّي لَأَظُنُّ أَنَّ اللَّهُ يَسْقِي أَهْلَ الشَّامِ بِهِ.

وَكَانَ الْجُنَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ يقول: هو ريحانة الشام.

وروى ابن عساكر أن كَانَ قَدْ عَاهَدَ أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّاراني أَلَّا يُغْضِبَهُ وَلَا يُخَالِفَهُ، فَجَاءَهُ يَوْمًا وَهُوَ يُحَدِّثُ النَّاس فقال: يا سيدي هذا قَدْ سَجَّرُوا التَّنُّورَ فَمَاذَا تَأْمُرُ؟ فَلَمْ يردَّ عَلَيْهِ أَبُو سُلَيْمَانَ، لِشُغْلِهِ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَعَادَهَا أحمد ثانية، وقال لَهُ فِي الثَّالِثَةِ: اذْهَبْ فَاقْعُدْ فِيهِ.

ثُمَّ اشْتَغَلَ أَبُو سُلَيْمَانَ فِي حَدِيثِ النَّاسِ ثُمَّ اسْتَفَاقَ فَقَالَ لِمَنْ حَضَرَهُ: إِنِّي قُلْتُ لِأَحْمَدَ: اذهب فاقعد في التنور، وإني أحسب أَنْ يَكُونَ قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقُومُوا بِنَا إِلَيْهِ.

فَذَهَبُوا فَوَجَدُوهُ جَالِسًا فِي التَّنُّورِ وَلَمْ يحترق منه شئ ولا شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ.

وَرَوِيَ أَيْضًا أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي الْحَوَارِيِّ أَصْبَحَ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا يَمْلِكُ شَيْئًا يُصْلِحُ بِهِ الْوَلَدَ، فَقَالَ لِخَادِمِهِ: اذْهَبْ فَاسْتَدِنْ لَنَا وَزْنَةً مِنْ دَقِيقٍ، فَبَيْنَمَا هُوَ فِي ذَلِكَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فِي تِلْكَ السَّاعة فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ إِنَّهُ قَدْ وُلِدَ لِيَ اللَّيْلَةَ ولد ولا أملك شيئاً، فرفع طَرْفَهُ إِلَى السَّماء وَقَالَ: يَا مَوْلَايَ هَكَذَا بالعجلة.

ثم قال للرجل: خذ هذه الدراهم، فأعطاه إياها كلها، ولم يبق منها شيئاً، وَاسْتَدَانَ لِأَهْلِهِ دَقِيقًا.

وَرَوَى عَنْهُ خَادِمُهُ أَنَّهُ خرج للثغر لأجل الرباط


(١) أي اسم أبي الحواري والد أحمد.
وفي صفة الصفوة اسم أبى الحواري: ميمون.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>