للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ترجمة المتوكل على الله]

جعفر بن المعتصم بن الرشيد بن محمد المهدي بن المنصور العباسي، وأم المتوكل أَمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لَهَا شُجَاعُ، وَكَانَتْ مِنْ سروات النساء سنحاً وَحَزْمًا.

كَانَ مَوْلِدُهُ بِفَمِ الصُّلْحِ سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَتَيْنِ، وَبُويِعَ لَهُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ أَخِيهِ الْوَاثِقِ فِي يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِسِتٍّ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لسنة ثنتين وثلاثين ومائتين.

وقد روى الْخَطِيبُ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ حُرِمَ الرِّفْقَ حُرِمَ الْخَيْرَ " (١) .

ثُمَّ أَنْشَأَ الْمُتَوَكِّلُ يَقُولُ: الرِّفْقُ يُمْنٌ وَالْأَنَاةُ سَعَادَةٌ * فَاسْتَأْنَ فِي رِفْقٍ تُلَاقِ نَجَاحَا لَا خَيْرَ فِي حَزْمٍ بِغَيْرِ رويَّة * وَالشَّكُ وَهْنٌ إِنْ أَرَدْتَ سَرَاحَا وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ: وَحَدَّثَ عَنْ أَبِيهِ الْمُعْتَصِمِ وَيَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ الْقَاضِي.

وَرَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ الْجَهْمِ الشَّاعِرُ، وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدمشقي، وقدم المتوكل دمشق في خلافته وبنى بِهَا قَصْرًا بِأَرْضِ دَارَيَّا.

وَقَالَ يَوْمًا لِبَعْضِهِمْ: إن الخلفاء تتغضب عَلَى الرَّعِيَّةِ لِتُطِيعَهَا، وَإِنِّي أَلِينُ لَهُمْ لِيُحِبُّونِي وَيُطِيعُونِي.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَرْوَانَ الْمَالِكِيُّ: ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ قَالَ: وَجَّهَ الْمُتَوَكِّلُ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ الْمُعَذَّلِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَجَمَعَهُمْ فِي دَارِهِ ثمَّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَامَ النَّاس كلهم إليه إلا أَحْمَدَ بْنِ الْمُعَذَّلِ.

فَقَالَ الْمُتَوَكِّلُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ: إنَّ هذا لا يرى بيعتنا؟ فقال: يا أمير المؤمنين بلى! وَلَكِنْ فِي بَصَرِهِ سُوءٌ.

فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ المعذل: يا أمير المؤمنين مَا فِي بَصَرِي سُوءٌ، وَلَكِنْ نَزَّهْتُكَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.

قَالَ النَّبيّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَحَبَّ أَنَّ يَتَمَثَّلَ لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا فليتبوَّأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ " (٢) .

فَجَاءَ الْمُتَوَكِّلُ فجلس إلى جنبه.

وروى الخطيب أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْجَهْمِ دَخَلَ عَلَى الْمُتَوَكِّلِ وَفِي يَدِهِ دُرَّتَانِ يُقَلِّبُهُمَا فَأَنْشُدُهُ قَصِيدَتَهُ الَّتِي يقول فيها: وإذا مررت ببئر عروة فاستقي مِنْ مَائِهَا فَأَعْطَاهُ الَّتِي فِي يَمِينِهِ وَكَانَتْ تُسَاوِي مِائَةَ أَلْفٍ.

ثُمَّ أَنْشَدَهُ: بسرِّ مَنْ رأى أمير * تَغْرِفُ مِنْ بَحْرِهِ الْبِحَارُ يُرْجَى وَيُخْشَى لِكُلِّ خَطْبٍ * كَأَنَّهُ جَنَّةٌ وَنَارُ

الْمُلْكُ فِيهِ وَفِي بنيه * ما اختلف الليل والنهار


(١) أخرجه مسلم في البر والصلة ح (٧٤ - ٧٦) وابن ماجة في الادب.
باب (٩) والامام أحمد في المسند ٤ / ٣٦٢، ٣٦٦.
(٢) أخرجه التِّرمذي في كتاب الأدب.
باب (١٣) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>