للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ فِيهَا اجْتَمَعَ رَأْيُ الْمُسْتَعِينِ وَبُغَا الصَّغِيرِ وَوَصِيفٍ عَلَى قتل باغر التركي، وكان من قواد الأمراء الْكِبَارِ الَّذِينَ بَاشَرُوا قَتْلَ الْمُتَوَكِّلِ، وَقَدِ اتَّسَعَ إقطاعه وكثر عماله، فقتل ونهبت دار كتابه دُليل بْنِ يَعْقُوبَ النَّصْرَانِيِّ، وَنُهِبَتْ أَمْوَالُهُ وَحَوَاصِلُهُ، وركب الْخَلِيفَةُ فِي حَرَّاقَةِ مَنْ سَامَرَّا إِلَى بَغْدَادَ فاضطربت الأمور بسبب خروجه، وذلك في المحرم.

فنزل دار محمد بن عبد الله بن طاهر.

وفيها وَقَعَتْ فِتْنَةٌ شَنْعَاءُ بَيْنَ جُنْدِ بَغْدَادَ وَجُنْدِ سَامَرَّا، وَدَعَا أَهْلُ سَامَرَّا إِلَى بَيْعَةِ الْمُعْتَزِّ، وَاسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ بَغْدَادَ عَلَى الْمُسْتَعِينِ، وَأُخْرِجَ الْمُعْتَزُّ وَأَخُوهُ الْمُؤَيَّدُ مِنَ السِّجْنِ فَبَايَعَ أَهْلُ سَامَرَّا الْمُعْتَزَّ وَاسْتَحْوَذَ عَلَى حَوَاصِلَ بَيْتِ الْمَالِ بِهَا فَإِذَا بِهَا خَمْسُمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَفِي خِزَانَةِ أَمِّ الْمُسْتَعِينِ أَلْفُ أَلْفُ دِينَارٍ، وَفِي حواصل العباس بن الْمُسْتَعِينِ سِتُّمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُ الْمُعْتَزِّ بِسَامَرَّا.

وَأَمَرَ الْمُسْتَعِينُ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ أَنْ يُحَصِّنَ بَغْدَادَ وَيَعْمَلَ فِي السورين والخندق، وغرم على ذلك ثلثمائة أَلْفِ دِينَارٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، وَوَكَّلَ بِكُلِّ بَابٍ أَمِيرًا يَحْفَظُهُ، وَنَصَبَ عَلَى السُّورِ خَمْسَةَ مناجيق (١) ، مِنْهَا وَاحِدٌ كَبِيرٌ جِدًّا، يُقَالُ لَهُ الْغَضْبَانُ، وَسِتَّ عَرَّادَاتٍ وَأَعَدُّوا آلَاتِ الْحَرْبِ وَالْحِصَارِ وَالْعُدَدَ، وَقُطِعَتِ الْقَنَاطِرُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ لِئَلَّا يَصِلَ الْجَيْشُ إِلَيْهِمْ.

وَكَتَبَ الْمُعْتَزُّ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ علي بْنِ طَاهِرٍ يَدْعُوهُ إِلَى الدُّخُولِ مَعَهُ فِي أَمْرِهِ، وَيُذَكِّرُهُ مَا كَانَ أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ أَبُوهُ المتوكل من العهود والمواثيق، من أنه ولي العهد بعده (٢) ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ بَلْ رَدَّ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِحُجَجٍ يَطُولُ ذِكْرُهَا.

وَكَتَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسْتَعِينِ وَالْمُعْتَزِّ إِلَى مُوسَى بْنِ بُغَا الْكَبِيرِ وَهُوَ مُقِيمٌ بِأَطْرَافِ الشَّامِ لِحَرْبِ أَهْلِ.

حِمْصَ يَدْعُوهُ إِلَى نَفْسِهِ وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْوِيَةٍ يَعْقِدُهَا لِمَنِ اخْتَارَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمُسْتَعِينُ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَيْهِ إِلَى بَغْدَادَ وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي عَمَلِهِ، فَرَكِبَ مُسْرِعًا فَسَارَ إِلَى سَامَرَّا فَكَانَ مَعَ الْمُعْتَزِّ عَلَى الْمُسْتَعِينِ.

وَكَذَلِكَ هَرَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُغَا الصَّغِيرِ مِنْ عند أبيه من بغداد إلى المعتز، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْأَتْرَاكِ.

وَعَقَدَ الْمُعْتَزُّ لأخيه أبي أحمد بن الْمُتَوَكِّلِ عَلَى حَرْبِ الْمُسْتَعِينِ

وَجَهَّزَ مَعَهُ جَيْشًا لِذَلِكَ، فَسَارَ فِي خَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْأَتْرَاكِ وَغَيْرِهِمْ نَحْوَ بَغْدَادَ، وَصَلَّى بِعُكْبَرَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَدَعَا لِأَخِيهِ الْمُعْتَزِّ.

ثُمَّ وَصَلَ إِلَى بَغْدَادَ ليلة الأحد لسبع لخون مِنْ صَفَرٍ فَاجْتَمَعَتِ الْعَسَاكِرُ هُنَالِكَ، وَقَدْ قَالَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ بَاذِنْجَانَةُ كَانَ فِي عَسْكَرِ أبي أحمد: يا بني طاهر جنود الل * هـ والموت بينها منثور (٣) وجيوش أمامهن (٤) أبو أحم * د نعم المولى ونعم النصير


(١) في الطبري: مجانيق، وفي ابن الاثير: منجنيقات.
(٢) تقدم أن المتوكل أخذ البيعة لاولاده: المنتصر وبعده المعتز ثم المؤيد (انظر الطبري - ابن الاثير ومروج الذهب) .
(٣) البيت في ابن الاثير ٧ / ١٤٥ والطبري ١١ / ١٠٣: يا بني طاهر أتتكم.
في ابن الاثير: مشهور.
(٤) في ابن الاثير: إمامهم (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>