للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعم ضجيع الفتى إذا برد * الليل سحراً وقرقف العرد (١) زَيَّنَهَا اللَّهُ فِي الْفُؤَادِ كَمَا * زُيِّنَ فِي عين والد ولد ثُمَّ دَخَلَتْ سَنَةُ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ فِي يَوْمِ الْإِثْنَيْنِ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عقد الخليفة لأخيه أبي أحمد على ديار مصر وقنسرين والعواصم، وجلس يوم الخميس في مُسْتَهَلَّ رَبِيعٍ الْآخَرِ (٢) فَخَلَعَ عَلَى أَخِيهِ وَعَلَى مُفْلِحٍ وَرَكِبَا نَحْوَ الْبَصْرَةِ فِي جَيْشٍ كَثِيفٍ في عدد وعدد، فاقتتلوا هم والزنج قتالا شديد فَقُتِلَ مُفْلِحٌ لِلنِّصْفِ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى، أَصَابَهُ بسهم بِلَا نَصْلٍ فِي صَدْرِهِ فَأَصْبَحَ مَيِّتًا، وَحُمِلَتْ جثته إلى سامرا فدفن بِهَا.

وَفِيهَا أُسِرَ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَحْرَانِيُّ أَحَدُ أُمَرَاءِ صَاحِبِ الزَّنْجِ الْكِبَارِ، وَحُمِلَ إِلَى سَامَرَّا فَضُرِبَ بَيْنَ يَدِيِ الْمُعْتَمِدِ مِائَتَيْ سَوْطٍ ثُمَّ قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلَاهُ مِنْ خِلَافٍ، ثُمَّ أخذ بِالسُّيُوفِ ثُمَّ ذُبِحَ ثُمَّ أُحْرِقَ، وَكَانَ الَّذِينَ سروه جَيْشَ أَبِي أَحْمَدَ فِي وَقْعَةٍ هَائِلَةٍ مَعَ الزَّنْجِ قَبَّحَهُمُ اللَّهُ.

وَلَمَّا بَلَغَ خَبَرُهُ صَاحِبَ الزَّنْجِ أَسِفَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ خُوطِبْتُ فِيهِ فَقِيلَ لِي: قَتْلُهُ كَانَ خَيْرًا لَكَ.

لِأَنَّهُ كَانَ شَرِهًا يُخْفِي مِنَ الْمَغَانِمِ خيارها وقد كان صاحب الزنج يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: لَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ النُّبُوَّةُ فَخِفْتُ أَنْ لَا أَقُومَ بِأَعْبَائِهَا فَلَمْ أَقْبَلْهَا.

وَفِي رَبِيعٍ الْآخَرِ مِنْهَا وَصَلَ سَعِيدُ بْنُ أَحْمَدَ الباهلي إلى باب الخليفة فَضُرِبَ سَبْعَمِائَةِ سَوْطٍ حتَّى مَاتَ ثُمَّ صُلِبَ.

وَفِيهَا قُتِلَ قَاضٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ (٣) رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ صَاحِبِ الزَّنْجِ عِنْدَ بَابِ الْعَامَّةِ بِسَامَرَّا.

وَفِيهَا رَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاصِلٍ إِلَى طَاعَةِ السُّلْطَانِ وَحَمَلِ خَرَاجَ فَارِسَ وَتَمَهَّدَتِ الْأُمُورُ هُنَاكَ.

وفيها

في أواخر رجب كان بَيْنَ أَبِي أَحْمَدَ وَبَيْنَ الزَّنْجِ وَقْعَةٌ هَائِلَةٌ فقتل منها خَلْقٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ.

ثُمَّ اسْتَوْخَمَ أَبُو أَحْمَدَ منزله فانتقل إلى واسط فنزلها في أوائل شعبان، فلما نزلها وقعت هناك زلزلة شديدة وهدة عظيمة، تهدمت فيها بيوت ودور كَثِيرَةٌ، وَمَاتَ مِنَ النَّاسِ نَحْوٌ مَنْ عِشْرِينَ ألفاً.

وفيها وقع في الناس وباء شديد وموت عريض بِبَغْدَادَ وَسَامَرَّا وَوَاسِطَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْبِلَادِ، وَحَصَلَ للناس ببغداد داء يقال له القفاع (٤) .

وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ، أُخِذَ رَجُلٌ (٥) مِنْ بَابِ الْعَامَّةِ بِسَامَرَّا ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ يَسُبُّ السَّلَفَ فَضُرِبَ أَلْفَ سَوْطٍ حتَّى مَاتَ.

وَفِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثَامِنِهِ تُوُفِّيَ الأمير يارجوخ فصلى عليه أخوه الْخَلِيفَةِ أَبُو عِيسَى وَحَضَرَهُ جَعْفَرُ بْنُ الْمُعْتَمِدِ عَلَى اللَّهِ.

وَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةٌ هَائِلَةٌ بَيْنَ مُوسَى بْنِ بُغَا وَبَيْنَ أَصْحَابِ الْحَسَنِ بْنِ زيد ببلاد خراسان فهزمهم هَزِيمَةً فَظِيعَةً.

وَفِيهَا كَانَتْ وَقْعَةٌ بَيْنَ مَسْرُورٍ


(١) في ابن خلكان ٣ / ٢٧: الليل سحيرا وقرقف الصرد.
(٢) في مروج الذهب ٤ / ٢٢٦: الاول.
(٣) في الطبري ١١ / ٢٢٣: أربعة عشر: وفي ابن الاثير: جماعة من الزنج كان فيهم قاض.
(٤) القفاع: داء يصيب الشاة في قوائمها فيعوجها (قاموس محيط) .
(٥) ذكره الطبري: أبو فقعس (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>