للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألف دينار (١) ، وبقي معه من الأموال شئ كثير جداً.

قال بعض التجار: دخلت عليه فوجدته يَتَرَدَّدُ فِي مَنْزِلِهِ كَأَنَّهُ مَجْنُونٌ، فَقُلْتُ لَهُ: ما لك هكذا؟ فَقَالَ: وَيْحَكَ، أُخِذَ مِنِّي كَذَا وَكَذَا فَأَنَا أُحِسُّ أَنَّ رُوحِي سَتَخْرُجُ، فَعَذَرْتُهُ ثُمَّ أَخَذْتُ في تسليته فقلت له: إن دورك وبساتينك وضياعك الباقية تُسَاوِي سَبْعَمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ، وَاصْدُقْنِي كَمْ بَقِيَ عندك من الجواهر والمتاع؟ فإذا شئ يساوي ثلثمائة ألف دينار غير ما بقي عنده من الذهب والفضة المصكوكة.

فقلت له: إِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يُشَارِكُكَ فِيهِ أَحَدٌ من التجار ببغداد، مع مالك مِنَ الْوَجَاهَةِ عِنْدَ الدَّوْلَةِ وَالنَّاسِ.

قَالَ: فَسُرِّيَ عنه وتسلى عما

فات وَأَكَلَ - وَكَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَمْ يَأْكُلْ شيئاً - ولما خلص في مُصَادَرَةِ الْمُقْتَدِرِ بِشَفَاعَةِ أُمِّهِ السَّيِّدَةِ فِيهِ حَكَى عَنْ نَفْسِهِ قَالَ: نَظَرْتُ فِي دَارِ الْخِلَافَةِ إِلَى مِائَةِ خَيْشَةٍ، فِيهَا مَتَاعٌ رَثٌّ مِمَّا حمل إليّ من مصر، وهو عندهم في دار مضيعة وكان لي في حملٍ منها ألف دينار موضوعة في مِصْرَ لَا يَشْعُرُ بِهَا أَحَدٌ، فَاسْتَوْهَبْتُ ذَلِكَ مِنْ أُمِّ الْمُقْتَدِرِ فَكَلَّمَتْ فِي ذَلِكَ وَلَدَهَا فأطلقه إليّ فتسلمته فإذا الذهب لم ينقص منه شئ.

وقد كان ابن الجصاص مَعَ ذَلِكَ مُغَفَّلًا شَدِيدَ التَّغَفُّلِ فِي كَلَامِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَقَدْ ذُكِرَ عَنْهُ أَشْيَاءُ تَدُلُّ عَلَى ذلك، وقيل إنه إنما كان يظهر ذلك قصداً ليقال أَنَّهُ مُغَفَّلٌ، وَقِيلَ إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ على سبيل البسط والدعابة والله سبحانه أَعْلَمُ وَفِيهَا توفِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ القزويني (٢) .

علي بن سليمان بن المفضل أَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ، رَوَى عَنِ الْمُبَرِّدِ وَثَعْلَبٍ واليزيدي وغيرهم، وعنه الروياني والمعافا وَغَيْرُهُمَا.

وَكَانَ ثِقَةً فِي نَقْلِهِ، فَقِيرًا فِي ذَاتِ يَدِهِ، تَوَصَّلَ إِلَى أَبِي عَلِيِّ بْنِ مُقْلَةَ حَتَّى كَلَّمَ فِيهِ الْوَزِيرَ عَلِيَّ بْنَ عيسى في أن يرتب له شيئاً فَلَمْ يُجِبْهُ إِلَى ذَلِكَ، وَضَاقَ بِهِ الْحَالُ حتى كان يأكل اللفت النئ فمات فجأة من كثرة أكله في شعبان منها.

وَهَذَا هُوَ الْأَخْفَشُ الصَّغِيرُ، وَالْأَوْسَطُ هُوَ سَعِيدُ بن مسعدة تلميذ سيبويه.

وأما الكبير فَهُوَ أَبُو الْخَطَّابِ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، مِنْ أَهْلِ هَجَرَ، وَهُوَ شَيْخُ سِيبَوَيْهِ وأبي عبيد وغيرهما.

وقيل أن أبا بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ السَّرِيِّ السَّرَّاجُ النَّحْوِيُّ صَاحِبُ الأصول في النحو فيها مات.

قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ.

وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ الْأَرْغِيَانِيُّ (٣) .


(١) راجع احداث سنة ٣٠٢ هـ وقد تقدمت الملاحظة هناك.
(٢) أبو القاسم، الفقيه قاضي دمشق ثم قاضي الرملة روى عن يونس بن عبد الاعلى وطبقته، كان له حلقة بمصر للفتوى، قال ابن يونس: خلط ووضع أحاديث.
وقال في المغني: كذبه الدارقطني.
(٣) شيخ نيسابور الحافظ الجوال الزاهد المفضال روى عن محمد بن رافع وبندار ومحمد بن هاشم البعلبكي.
عاش ٩٢ سنة قال ابن ناصر الدين: كان من العباد المجتهدين (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>