للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَرِيبَةٌ: مِنْهَا أَنَّهُ وَزَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَعُزِلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَوَلِيَ لِثَلَاثَةٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ، وَدُفِنَ ثلاث مرات، وسافر ثلاث سفرات، مرتين منفياً ومرة إِلَى الْمَوْصِلِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَفِيهَا دَخَلَ بَجْكَمُ بَغْدَادَ فَقَلَّدَهُ الرَّاضِي إِمْرَةَ الْأُمَرَاءِ مَكَانَ ابْنِ رَائِقٍ، وَقَدْ كَانَ بَجْكَمُ هَذَا مِنْ غِلْمَانِ أبي علي العارض وزير ما كان بْنِ كَالِي الدَّيْلَمِيِّ، فَاسْتَوْهَبَهُ مَا كَانُ مِنَ الْوَزِيرِ فَوَهَبَهُ لَهُ، ثُمَّ فَارَقَ مَا كَانَ وَلَحِقَ بِمَرْدَاوِيجَ، وَكَانَ فِي جُمْلَةِ مَنْ قَتَلَهُ في الحمام كما تقدم.

فلما ولاه الخليفة إمرة الأمراء أسكن في دار مُؤْنِسٍ الْخَادِمِ، وَعَظُمَ أَمَرُهُ جِدًّا وَانْفَصَلَ ابْنُ رَائِقٍ وَكَانَتْ أَيَّامُهُ سَنَةً وَعَشْرَةَ أَشْهُرٍ وَسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا.

وَفِيهَا بَعَثَ عِمَادُ الدَّوْلَةِ بْنُ بويه أخاه معز الدولة فأخذ الْأَهْوَازِ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَرِيدِيِّ، وَانْتَزَعَهَا مِنْ يَدِ بَجْكَمَ وَأَعَادَهَا إِلَيْهِ.

وَفِيهَا اسْتَوْلَى لَشْكَرَى أحد أمراء وشمكير الديلمي على بلاد أذر بيجان وَانْتَزَعَهَا مِنْ رُسْتُمَ (١) بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْكُرْدِيِّ، أَحَدِ أَصْحَابِ ابْنِ أَبِي السَّاجِ، بَعْدَ قِتَالٍ طَوِيلٍ.

وَفِيهَا اضْطَرَبَ أَمْرُ الْقَرَامِطَةِ جِدًّا وَقَتَلَ بَعْضُهُمْ بعضاً، وانكفوا بسبب ذلك عَنِ التَّعَرُّضِ لِلْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ، وَلَزِمُوا بَلَدَهُمْ هَجَرَ لَا يَرُومُونَ مِنْهُ انْتِقَالًا إِلَى غَيْرِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

وَفِيهَا تُوُفِّيَ أَحْمَدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْدَلُسِيُّ، كَانَ أَبُوهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَهَذَا الرَّجل هُوَ أَوَّلُ مَنْ أَدْخَلَ فِقْهَ مَالِكٍ إِلَى الْأَنْدَلُسِ وَقَدْ عُرِضَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِهَا فَلَمْ يَقْبَلْ.

ثُمَّ دخلت سنة سبع وعشرين وثلثمائة

في المحرم منها خرج الراضي أمير المؤمنين إِلَى الْمَوْصِلِ لِمُحَارَبَةِ نَاصِرِ الدَّوْلَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدَانَ نَائِبِهَا، وَبَيْنَ يَدَيْهِ بَجْكَمُ أَمِيرُ الْأُمَرَاءِ، وَقَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو الْحُسَيْنِ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، وَقَدِ اسْتَخْلَفَ عَلَى بَغْدَادَ وَلَدَهُ الْقَاضِي أَبَا نَصْرٍ يُوسُفَ بن عمر، في منصب القضاء، عن أمر الخليفة بذلك.

وكان فاضلاً عالماً، ولما انتهى بجكم إلى الموصل وَاقَعَ الْحَسَنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَمْدَانَ فهزم بجكم ابن حمدان، وقرر الخليفة الموصل والجزيرة، وولى فيها.

وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ رَائِقٍ فَإِنَّهُ اغْتَنَمَ غَيْبَةَ الْخَلِيفَةِ عَنْ بَغْدَادَ وَاسْتَجَاشَ بِأَلْفٍ مِنَ الْقَرَامِطَةِ وجاء بهم فدخل بَغْدَادَ فَأَكْثَرَ فِيهَا الْفَسَادَ، غَيْرَ أنَّه لَمْ يَتَعَرَّضْ لِدَارِ الْخِلَافَةِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الْخَلِيفَةِ يَطْلُبُ مِنْهُ الْمُصَالَحَةَ وَالْعَفْوَ عَمَّا جَنَى، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبَا الحسين عمر بْنِ يُوسُفَ، وَتَرَحَّلَ ابْنُ رَائِقٍ عَنْ بَغْدَادَ (٢) ودخلها الخليفة في جمادى الأولى، فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ.

وَنَزَلَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أول ليلة من شهر آذار فِي جُمَادَى الْأُولَى مَطَرٌ عَظِيمٌ، وَبَرَدٌ كِبَارٌ، كل واحدة نحو أوقيتين، وَاسْتَمَرَّ فَسَقَطَ بِسَبَبِهِ دُورٌ كَثِيرَةٌ مِنْ بَغْدَادَ.

وَظَهَرَ جَرَادٌ كَثِيرٌ فِي هَذِهِ السَّنَةِ وَكَانَ الْحَجُّ مِنْ جِهَةِ دَرْبِ الْعِرَاقِ قَدْ تَعَطَّلَ


(١) في الكامل ٨ / ٣٤٩: ديسم.
(٢) في الكامل ٨ / ٣٥٤: قلده طريق الفرات وديار مصر - حران والرها وما جاورها وجند قنسرين والعواصم قال في مختصر تاريخ البشر: فسار ابن رائق واستولى عليها ٢ / ٨٦ (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>