للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم دخلت سنة أربعين وثلثمائة فِيهَا قَصَدَ صَاحِبُ عُمَانَ (١) الْبَصْرَةَ لِيَأْخُذَهَا فِي مَرَاكِبَ كَثِيرَةٍ، وَجَاءَ لِنَصْرِهِ أَبُو يَعْقُوبَ الْهَجَرِيُّ فمانعه الْوَزِيرُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُهَلَّبِيُّ وَصَدَّهُ عَنْهَا، وَأَسَرَ جماعة من أصحابه وسبا سبياً كَثِيرًا مِنْ مَرَاكِبِهِ

فَسَاقَهَا مَعَهُ فِي دِجْلَةَ، وَدَخَلَ بِهَا إِلَى بَغْدَادَ فِي أُبَّهَةٍ عَظِيمَةٍ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَفِيهَا رُفِعَ إِلَى الْوَزِيرِ أَبِي محمد المهلبي رجل من أصحاب أبي جعفر بن أبي العز (٢) الَّذِي كَانَ قُتِلَ عَلَى الزَّنْدَقَةِ كَمَا قُتِلَ الحلاج، فكان هَذَا الرَّجُلَ يَدَّعِي مَا كَانَ يَدَّعِيهِ ابْنُ أبي العز، وقد ابتعه جماعة من الجهلة من أهل بغداد، وَصَدَّقُوهُ فِي دَعْوَاهُ الرُّبُوبِيَّةَ، وَأَنَّ أَرْوَاحَ الْأَنْبِيَاءِ والصديقين تنتقل إِلَيْهِمْ.

وَوُجِدَ فِي مَنْزِلِهِ كُتُبٌ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ.

فلمَّا تَحَقَّقَ أَنَّهُ هَالِكٌ ادَّعَى أَنَّهُ شيعي ليحضر عِنْدَ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ بْنِ بُوَيْهِ.

وَقَدْ كَانَ معز الدولة بن بويه يحب الرافضة قبحه الله.

فلما اشتهر عنه ذَلِكَ لَمْ يَتَمَكَّنِ الْوَزِيرُ مِنْهُ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ، وَأَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ الشيعة، إنا لله وإنا إليه راجعون.

ولكنه احتاط على شئ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَكَانَ يُسَمِّيهَا أَمْوَالَ الزَّنَادِقَةِ.

قَالَ ابن الجوزي: وفي رمضان منها وقعت فتنة عظيمة بسبب المذهب.

وممن توفي فيها من الأعيان: أشهب بن عبد العزيز (٣) بن أبي داود بن إبراهيم أبو عمرو العامري - نسبة إلى عامر بن لؤي - كان أحد الفقهاء المشهورين.

توفي في شعبان منها.

أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ (٤) أَحَدُ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ الْمَشْهُورِينَ، وُلِدَ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَسَكَنَ بَغْدَادَ وَدَرَسَ فِقْهَ أَبِي حَنِيفَةَ وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ رِئَاسَةُ أَصْحَابِهِ في البلاد، وَكَانَ مُتَعَبِّدًا كَثِيرَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، صَبُورًا عَلَى الْفَقْرِ، عَزُوفًا عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ رَأْسًا فِي الِاعْتِزَالِ، وَقَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، وَرَوَى عنه حيوة وَابْنُ شَاهِينَ.

وَأَصَابَهُ الْفَالِجُ فِي آخِرِ عُمُرهِ، فَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَاشْتَوَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ أَنْ يَكْتُبُوا إِلَى سَيْفِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ ليساعده بشئ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي مَرَضِهِ، فَلَمَّا عَلِمَ بِذَلِكَ رَفَعَ رَأَسَهُ إِلَى السَّماء وَقَالَ: اللَّهم لَا تَجْعَلْ رِزْقِي إِلَّا مِنْ حَيْثُ عَوَّدْتَنِي.

فَمَاتَ عَقِبَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ مَا أَرْسَلَ بِهِ سَيْفُ الدَّوْلَةِ، وَهُوَ عَشَرَةُ آلَافِ درهم.

فتصدقوا بها


(١) هو يوسف بن وجيه، وذكره ابن الأثير في حوادث سنة ٣٤١ هـ.
(٨ / ٤٩٦) .
(٢) في ابن الاثير ٨ / ٤٩٥: ابن أبي القراقر.
وقد تقدمت الاشارة إليه.
راجع مقتل الحلاج.
(٣) في الوفيات ١ / ٢٣٨ والوافي ٨ / ٢٧٨: عبد العزيز بن داود.
وذكراه في وفيات سنة ٢٠٤ هـ.
قال في الوافي: مات في شهر رجب.
وقال: قيل اسمه مسكين ولقبه أشهب.
(٤) هو عبد الله بن الحسين (مختصر أخبار البشر ٢ / ٩٩) ، وفي تذكرة الحفاظ ٢ / ٨٥٥: عبيد الله بن الحسن بن دلال وفي الكامل ٨ / ٤٩٥: عبد الله بن حسين بن لال (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>