للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِيهَا رَجَعَ مُلْكُ حَلَبَ إِلَى أَبِي الْمَعَالِي شَرِيفِ بْنِ سَيْفِ الدَّوْلَةِ بْنِ حَمْدَانَ، وَذَلِكَ أنَّه لَمَّا مَاتَ أَبُوهُ وَقَامَ هُوَ مِنْ بعده تغلب قرعويه مولاهم واستولى عليهم سار إليه فأخرجه مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ، ثُمَّ جَاءَ فَنَزَلَ حُمَاةَ وَكَانَتِ الرُّومُ قَدْ خَرَّبَتْ حِمْصَ فَسَعَى فِي عِمَارَتِهَا وَتَرْمِيمِهَا وَسَكَنَهَا، ثم لما اختلفت الأمور على قرعويه كتب أهل حلب إلى أبي المعالي هذا وهو بحمص أن يأتيهم، فسار إليهم فحاصر حلب أربعة أشهر فافتتحها وامتنعت منه القلعة وقد تحصن بها نكجور (١) ، ثُمَّ اصْطَلَحَ مَعَ أَبِي الْمَعَالِي عَلَى أَنْ يؤمنه على نفسه ويستنيبه بحمص، ثم انتقل إلى نيابة دمشق وإليه تنسب هذه المرزعة ظاهر دمشق التي تعرف بالقصر النكجوري..ابتداء ملك بني سُبُكْتِكِينَ (٢) وَالِدِ مَحْمُودٍ صَاحِبِ غَزْنَةَ.

وَقَدْ كَانَ سبكتكين مولى الأمير أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ أَلِبْتِكِينَ صَاحِبِ جَيْشِ غَزْنَةَ وَأَعْمَالِهَا لِلسَّامَانِيَّةِ، وَلَيْسَ هَذَا بِحَاجِبِ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ، ذَاكَ تُوُفِّيَ قَبْلَ هَذِهِ السَّنَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا هَذَا فَإِنَّهُ لَمَّا مَاتَ مَوْلَاهُ لَمْ يَتْرُكْ أَحَدًا يَصْلُحُ لِلْمُلْكِ مِنْ بَعْدِهِ لَا مِنْ وَلَدِهِ وَلَا مِنْ قَوْمِهِ فَاصْطَلَحَ الْجَيْشُ على مبايعة سبكتكين هذا لصلاحه فيهم وخيره وَحُسْنِ سِيرَتِهِ، وَكَمَالِ عَقْلِهِ وَشَجَاعَتِهِ وَدِيَانَتِهِ، فَاسْتَقَرَّ الملك في يده وَاسْتَمَرَّ مِنْ بَعْدِهِ فِي وَلَدِهِ السَّعِيدِ مَحْمُودِ بن سبكتكين، وقد

غزا هذا بلاد الهند وفتح شيئاً كثيراً من حصونهم، وغنم أموالا كثيرة، وكسر من أصنامهم ونذروهم أَمْرًا هَائِلًا، وَبَاشَرَ مَنْ مَعَهُ مِنَ الْجُيُوشِ حرباً عظيمة هائلة، وقد قصده جيبال ملك الهند الأعظم بِنَفْسِهِ وَجُنُودِهِ الَّتِي تَعُمُّ السُّهُولَ وَالْجِبَالَ، فَكَسَرَهُ مَرَّتَيْنِ وَرَدَّهُمْ إِلَى بِلَادِهِمْ فِي أَسْوَإِ حَالٍ وَأَرْدَإِ بَالٍ.

وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي كَامِلِهِ: أَنَّ سُبُكْتِكِينَ لَمَّا الْتَقَى مَعَ جِيبَالَ مَلِكِ الْهِنْدِ فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ كَانَ بِالْقُرْبِ مِنْهُمْ عين في عقبة باغورك (٣) وكان من عادتهم أنها إِذَا وُضِعَتْ فِيهَا نَجَاسَةٌ أَوْ قَذَرٌ اكْفَهَرَّتِ السَّمَاءُ وَأَرْعَدَتْ وَأَبْرَقَتْ وَأَمْطَرَتْ، وَلَا تَزَالُ كَذَلِكَ حتى تطهر تلك العين من ذلك الشئ الذي ألقي فيها، فأمر سبكتكين بإلقاء نجاسة فيها - وكانت قريبة من نحو الْعَدُوِّ - فَلَمْ يَزَالُوا فِي رُعُودٍ وَبَرْوَقٍ وَأَمْطَارٍ وصواعق حتى ألجأهم ذلك إِلَى الْهَرَبِ وَالرُّجُوعِ إِلَى بِلَادِهِمْ خَائِبِينَ هَارِبِينَ، وَأَرْسَلَ مَلِكُ الْهِنْدِ يَطْلُبُ مِنْ سُبُكْتِكِينَ الصُّلْحَ فَأَجَابَهُ بَعْدَ امْتِنَاعٍ مِنْ وَلَدِهِ مَحْمُودٍ، عَلَى مَالٍ جَزِيلٍ يَحْمِلُهُ إِلَيْهِ، وَبِلَادٍ كَثِيرَةٍ يُسَلِّمُهَا إليه، وخمسين فيلاً ورهائن من رؤس قومه يتركها عنده حتى يقوم بما التزمه من ذلك.


(١) في الكامل ٨ / ٦٨٢ والعبر ٤ / ٢٤٧ وتاريخ أبي الفداء ٢ / ١١٨: بكجور.
(٢) قال ابن خلدون في العبر ٤ / ٣٦٠: هذه الدولة من فروع دولة بني سامان وناشئة عنها وبلغت من الاستطالة والعز المبالغ العظيمة واستولت على ما كانت دولة بني سامان عليه في عدوتي جيحون وما وراء النهر وخراسان وعراق العجم وبلاد الترك.
(٣) في الكامل المطبوع ٨ / ٦٨٦: غورك (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>