للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدولة أسيراً وقتله من فوره، وأخذ الْمَوْصِلَ وَمُعَامَلَتَهَا، وَكَانَ قَدْ حَمَلَ مَعَهُ مِيرَةً كثيرة، وشرد أبا تغلب في البلاد وبعث وراءه السرايا في كل وجه، وَأَقَامَ بِالْمَوْصِلِ إِلَى أَوَاخِرِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ، وَفَتَحَ مَيَّافَارِقِينَ وَآمِدَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ بِلَادِ بَكْرٍ وَرَبِيعَةَ، وَتَسَلَّمَ بِلَادَ مُضَرَ مِنْ أَيْدِي نُوَّابِ أَبِي تَغْلِبَ، وَأَخَذَ مِنْهُمُ الرَّحْبَةَ وَرَدَّ بَقِيَّتَهَا عَلَى صَاحِبِ حَلَبَ سَعْدِ الدَّوْلَةِ بْنِ سَيْفِ الدولة، وتسلط على سعد الدولة، وحين رجع من الموصل استناب عليها أبا الوفا، وعاد إلى بغداد فتلقاه الخليفة ورؤس النَّاسِ إِلَى ظَاهِرِ الْبَلَدِ، وَكَانَ يَوْمًا مَشْهُودًا.

مما وقع من الحوادث فيها الْوَقْعَةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُعِزِّ الفاطمي وبين ألفتكين غُلَامِ مُعِزِّ الدَّوْلَةِ صَاحِبِ دِمَشْقَ فَهَزَمَهُ وَأَسَرَهُ وَأَخَذَهُ مَعَهُ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ مُكَرَّمًا مُعَظَّمًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَسَلَّمُ الْعَزِيزُ دِمَشْقَ وَأَعْمَالَهَا، وَقَدْ تقدَّم بسط ذلك في سنة أربع وستين.

وَفِيهَا خُلِعَ عَلَى الْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ أَحْمَدَ الْمُعْتَزِلِيِّ بِقَضَاءِ قُضَاةِ الرَّيِّ وَمَا تَحْتَ حكم مؤيد الدولة بن ركن الدولة، وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ حَسَنَةٌ، مِنْهَا دَلَائِلُ النُّبُوَّةِ وَعُمُدُ الأدلة وغيرها.

وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِيهَا نَائِبُ الْمِصْرِيِّينَ وَهُوَ الْأَمِيرُ بَادِيسُ بْنُ زِيرِي أَخُو يُوسُفَ بْنِ بُلُكِّينَ.

وَلَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ اللُّصُوصُ وَسَأَلُوا مِنْهُ أَنْ يُضمِّنهم الْمَوْسِمَ هَذَا الْعَامَ بِمَا شَاءَ مِنَ الْأَمْوَالِ.

فَأَظْهَرَ لَهُمُ الْإِجَابَةَ إِلَى مَا سَأَلُوا وَقَالَ لَهُمْ: اجْتَمَعُوا كُلُّكُمْ حَتَّى أُضَمِّنَكُمْ كُلَّكُمْ، فَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ بِضْعٌ وَثَلَاثُونَ حَرَامِيًّا، فَقَالَ: هَلْ بَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدٌ؟ فَحَلَفُوا لَهُ أنه لم يبق منهم أحد.

فأخذ عند ذلك بالقبض عليهم وبقطع أيديهم كلهم، ونعمّا ما فعل.

وكانت الخطبة في الحجاز للفاطميين دون العباسيين، وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ الْمَلِكُ عِزُّ الدولة بخيتار بْنِ بُوَيْهِ الدَّيْلَمِيُّ مَلَكَ بَعْدَ أَبِيهِ وَعُمُرُهُ فَوْقَ الْعِشْرِينَ سَنَةً بِقَلِيلٍ، وَكَانَ حَسَنَ الْجِسْمِ شديد البطش قوي

القلب، يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ بِقَوَائِمِ الثَّوْرِ الشَّدِيدِ فيلقيه في الأرض من غير أعوان، ويقصد الأسود في أماكنها، وَلَكِنَّهُ كَانَ كَثِيرَ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى اللَّذَّاتِ، وَلَمَّا كَسَرَهُ ابْنُ عَمِّهِ بِبِلَادِ الْأَهْوَازِ كان في جملة ما أخذ منه أمرد كان يحبه حباً شديداً لا يهنأ بالعيش إلا معه، فبعث يترفق له في رده إليه، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بتحفٍ كَثِيرَةٍ وأموالٍ جَزِيلَةٍ وَجَارِيَتَيْنِ عوادتين لا قيمة لهما، فَرَدَّ عَلَيْهِ الْغُلَامَ الْمَذْكُورَ فَكَثُرَ تَعْنِيفُ النَّاسِ له عند ذلك وَسَقَطَ مِنْ أَعْيُنِ الْمُلُوكِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ: ذهاب هذا الغلام مني أشد علي


= وذكر ابن مسكويه في تجارب الامم، إن عضد الدولة دهش عندما أشار عليه أبو الوفاء بقتله، فألح عليه، وخوفه من الابقاء عليه، وقال له: " ما تنظر به، أن يعود ثانيا، وإلى متى يثير علينا الفتن التي لعلنا نكون من صرعاه في بعضها.
افرغ منه " فرفع عضد الدولة يده إلى عينه يمسحها من الدموع وقال: أنتم أعلم.
فبادر الحاجب إلى بختيار واحتز رأسه (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>