للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْيَوْمَ، وَأَسَّسَ مِنْ لَيْلَتِهِ الْقَصْرَيْنِ وَخَطَبَ يَوْمَ الجمعة الآتية لمولاه، وقطع خطبة بني العباس، وذكر في خطبته الأئمة الاثني عشر، وأمر فأذن بِحَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ، وَكَانَ يُظْهِرُ الْإِحْسَانَ إِلَى النَّاسِ، وَيَجْلِسُ كُلَّ يَوْمِ سَبْتٍ مَعَ الوزير ابن الْفُرَاتِ وَالْقَاضِي، وَاجْتَهَدَ فِي تَكْمِيلِ الْقَاهِرَةِ وَفَرَغَ من جامعها الأزهر سَرِيعًا، وَخَطَبَ بِهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَسِتِّينَ، وهو الذي يقال له الجامع الْأَزْهَرِ، ثُمَّ أَرْسَلَ جَعْفَرَ بْنَ فَلَاحٍ إِلَى الشام فأخذها، ثم قدم مولاه المعز في سنة اثنتين وَسِتِّينَ كَمَا تَقَدَّمَ، فَنَزَلَ بِالْقَصْرَيْنِ وَلَمْ تَزَلْ منزلته عالية عنده إلى أن مات في هذه السنة، وقام مكانه الْحُسَيْنُ (١) الَّذِي كَانَ يُقَالُ لَهُ قَائِدُ الْقُوَّادِ، وهو أكبر أمراء الحاكم، ثُمَّ كَانَ قَتْلُهُ عَلَى يَدَيْهِ فِي سِنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِمِائَةٍ، وَقُتِلَ مَعَهُ صِهْرُهُ زَوْجُ أُخْتِهِ الْقَاضِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ النُّعْمَانِ، وَأَظُنُّ هَذَا القاضي هو الذي صنف الْبَلَاغِ الْأَكْبَرِ، وَالنَّامُوسِ الْأَعْظَمِ، الَّذِي فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ مَا لَمْ يَصِلْ إِبْلِيسُ إِلَى مِثْلِهِ، وقد رد على هذا الكتاب أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ.

ثُمَّ دَخَلَتْ سنة ثنتين وثمانين وثلثمائة

في عاشر محرمها أمر الْوَزِيرُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَوْكَبِيُّ - وَيُعْرَفُ بِابْنِ الْمُعَلِّمِ وَكَانَ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَى السلطان - أهل الْكَرْخِ وَبَابِ الطَّاقِ مِنَ الرَّافِضَةِ بِأَنْ لَا يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْبِدَعِ الَّتِي كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهَا فِي عَاشُورَاءَ: مِنْ تَعْلِيقِ الْمُسُوحِ وَتَغْلِيقِ الْأَسْوَاقِ وَالنِّيَاحَةِ عَلَى الْحُسَيْنِ، فَلَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.

وَقَدْ كَانَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ طماعاً، رسم أن لا يقبل أحداً من الشهود ممن أحدثت عَدَالَتَهُ بَعْدَ ابْنِ مَعْرُوفٍ، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ قَدْ بَذَلَ أَمْوَالًا جَزِيلَةً فِي ذَلِكَ، فَاحْتَاجُوا إِلَى أَنْ جَمَعُوا لَهُ شَيْئًا فَوَقَعَ لَهُمْ بِالِاسْتِمْرَارِ، وَلَمَّا كَانَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَعَتِ الدَّيْلَمُ وَالتُّرْكُ عَلَى ابْنِ الْمُعَلِّمِ هَذَا وَخَرَجُوا بِخِيَامِهِمْ إِلَى بَابِ الشَّمَّاسِيَّةِ وَرَاسَلُوا بَهَاءَ الدَّوْلَةِ ليسلمه إليهم، لسوء معاملته لهم، فدافع عنه مدافعة عظيمة في أيام مُتَعَدِّدَةٍ، وَلَمْ يَزَالُوا يُرَاسِلُونَهُ فِي أَمْرِهِ حَتَّى خنقه في حبل ومات ودفن بالمحرم.

وفي رجب منها سلم الخليفة الطائع الذي خلع إلى الخليفة القادر فَأَمَرَ بِوَضْعِهِ فِي حُجْرَةٍ مِنْ دَارِ الْخِلَافَةِ وَأَمَرَ أَنْ تُجْرَى عَلَيْهِ الْأَرْزَاقُ وَالتُّحَفُ وَالْأَلْطَافُ، مِمَّا يَسْتَعْمِلُهُ الْخَلِيفَةُ الْقَادِرُ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَلْبَسٍ وطيب وغيره وَوَكَّلَ بِهِ مَنْ يَحْفَظُهُ وَيَخْدِمُهُ، وَكَانَ يَتَعَنَّتُ عَلَى الْقَادِرِ فِي تَقَلُّلِهِ فِي الْمَأْكَلِ وَالْمَلْبَسِ، فرتب من يحضر له من سائر الأنواع، ولم يزالوا كَذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَ وَهُوَ فِي السِّجْنِ.

وَفِي شوال منها ولد للخليفة القادر ولد وذكر، وَهُوَ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَادِرِ بِاللَّهِ، وَقَدْ وَلَّاهُ الْعَهْدَ مِنْ بَعْدِهِ وَسَمَّاهُ الْغَالِبَ بِاللَّهِ، فَلَمْ يَتِمَّ لَهُ الْأَمْرُ.

وَفِي هَذَا الْوَقْتِ غَلَتِ الْأَسْعَارُ بِبَغْدَادَ حَتَّى بِيعَ رَطْلُ الخبز بأربعين درهماً، والجزر بدرهم.

وفي ذي القعدة قام صاحب الصفراء الأعرابي والتزم بحراسة


(١) وهو الحسين بن جوهر، وكان قد خاف على نفسه من الحاكم فهرب هو وولده وصهره فأرسل الحاكم من ردهم وطيب قلوبهم وآنسهم مدة مديدة ثم قتلهم.
(الوفيات ١ / ٣٨٠) (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>