للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُحَمِّلُ نَشْرَ الرِّيحِ عِنْدَ هُبُوبِهِ * رِسَالَةَ مُشْتَاقٍ إلى (٣) حبيبه بنفسي من تحيا النفوس بريقه * ومن طابت الدنيا وبطيبه يجدد وجدي طائف منه في الكرا * سرى موهناً في جفنه مِنْ رَقِيبِهِ

لَعَمْرِي لَقَدْ عَطَّلْتُ كَأْسِي بَعْدَهُ * وَغَيَّبْتُهَا عَنِّي لَطُولِ مَغِيبِهِ تَمَنِّي أُمُّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْقَادِرِ بِاللَّهِ مَوْلَاةُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ الْمُقْتَدِرِ، كَانَتْ مِنَ الْعَابِدَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَمِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالدِّينِ تُوُفِّيَتْ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ الثَّانِيَ وَالْعِشْرِينَ من شعبان منها، وَصَلَّى عَلَيْهَا ابْنُهَا الْقَادِرُ، وَحُمِلَتْ بَعْدَ الْعِشَاءِ إلى الرصافة.

ثم دخلت سنة أربعمائة من الهجرة في ربيع الآخر نَقَصَتْ دِجْلَةُ نَقْصًا كَثِيرًا، حَتَّى ظَهَرَتْ جَزَائِرُ لم تغرق، وامتنع سير السفن في أعاليها من أذنة (٢) والراشدية، فأمر بكرى تلك الأماكن، وفيها كمل السور على مشهد أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي بناه أبو إسحاق الأرجاني، وذلك أن أبا محمد بن سهلان مرض فنذر إن عوفي ليبنينه فعوفي،.

وفي رمضان أرجف الناس بالخلفية القادر بالله بأنه مات فَجَلَسَ لِلنَّاسِ يَوْمَ جُمُعَةٍ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ الْبُرْدَةُ وَبِيَدِهِ الْقَضِيبُ، وَجَاءَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ فَقَبَّلَ الْأَرْضَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَرَأَ (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بهم) الآيات [الاحزاب: ٦٠] فتباكى الناس ودعوا وانصرفوا وهم فراحاً.

وفيها وَرَدَ الْخَبَرُ بِأَنَّ الْحَاكِمَ أَنْفَذَ إِلَى دَارِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ بِالْمَدِينَةِ فَأَخَذَ مِنْهَا مُصْحَفًا وَآلَاتٍ كَانَتْ بِهَا، وَهَذِهِ الدَّارُ لَمْ تفتح بعد موت صاحبها إلى هذا الآن، وَكَانَ مَعَ الْمُصْحَفِ قَعْبٌ خَشَبٌ مُطَوَّقٌ بِحَدِيدٍ وَدَرَقَةٌ خَيْزُرَانٌ وَحَرْبَةٌ وَسَرِيرٌ، حَمَلَ ذَلِكَ كُلَّهَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعَلَوِيِّينَ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَأَطْلَقَ لهم الحاكم أَنْعَامًا كَثِيرَةً وَنَفَقَاتٍ زَائِدَةً، وَرَّدَ السَّرِيرَ وَأَخَذَ الْبَاقِيَ، وَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِهِ.

فَرَدُّوا وَهُمْ ذاموا له داعون عليه وبنى الحاكم فيها داراً للعلم وَأَجْلَسَ فِيهَا الْفُقَهَاءَ، ثُمَّ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ هَدَمَهَا وَقَتَلَ خَلْقًا كَثِيرًا مِمَّنْ كَانَ فِيهَا من الفقهاء والمحدثين وأهل الخير.

وفيها عمر الجامع المنسوب إليه بمصر وهو جامع الحاكم، وتأنق في بنائه.

وَفِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا أُعِيدَ الْمُؤَيَّدُ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأُمَوِيُّ إِلَى مُلْكِهِ بَعْدَ خَلْعِهِ وَحَبْسِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَكَانَتِ الخطبة بالحرمين للحاكم صاحب مصر والشام.

وممن توفي فيها من الأعيان ...


(١) في الوفيات: لوجه.
(٢) في الكامل ٩ / ٢١٩: ما بين أوانا وقريب بغداد (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>