للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَدْرُ بْنُ حَسْنَوَيْهِ بْنِ الْحُسَيْنِ أَبُو النَّجْمِ الْكُرْدِيُّ، كَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُلُوكِ بِنَاحِيَةِ الدِّينَوَرِ وهمدان، وله سياسة وصدقة كثيرة، كناه القادر بأبي النَّجْمِ، وَلَقَّبَهُ نَاصِرَ الدَّوْلَةِ، وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً وأنفذه إليه، وكانت معاملاته وبلاده في غاية الأمن والطيبة، بحيث إذا أعيى جمل أحد من المسافرين أو دابته عن حمله يتركها بما عليها في البرية فيرد عليه، ولو بعد حين لا ينقص منه شئ، ولما عاثت أمراؤه في الأرض فَسَادًا عَمِلَ لَهُمْ ضِيَافَةً حَسَنَةً، فَقَدَّمَهَا إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَأْتِهِمْ بِخُبْزٍ، فَجَلَسُوا يَنْتَظِرُونَ الْخُبْزَ، فَلَمَّا استبطاؤه سألوا عنه فقال لهم: إذا كنتم تهلكون الحرث وتظلمون الزراع، فمن أين تؤتون بخبز؟ ثم قال لهم: لا أسمع بأحد أفسد في الأرض بعد اليوم إِلَّا أَرَقْتَ دَمَهُ.

وَاجْتَازَ مَرَّةً فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ بِرَجُلٍ قَدْ حَمَلَ حُزْمَةَ حَطَبٍ وَهُوَ يبكي فقال له: مالك تبكي؟ فَقَالَ: إِنِّي كَانَ مَعِي رَغِيفَانِ أُرِيدُ أَنْ أتقوتهما فَأَخَذَهُمَا مِنِّي بَعْضُ الْجُنْدِ، فَقَالَ لَهُ: أَتَعْرِفُهُ إِذَا رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَوَقَفَ بِهِ فِي موضع مضيق حتى مر عليه ذلك الرجل الذي أخذ رغيفيه، قَالَ: هَذَا هُوَ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يَنْزِلَ عن فرسه وأن يحمل حزمته التي احتطبها حَتَّى يَبْلُغَ بِهَا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَرَادَ أَنْ يَفْتَدِيَ مِنْ ذَلِكَ بِمَالٍ جَزِيلٍ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ، حَتَّى تَأَدَّبَ بِهِ الْجَيْشُ كُلُّهُمْ وَكَانَ يصرف كل جمعة عشرين ألف درهم على الفقراء والأرامل، وَفِي كُلِّ شَهْرٍ عِشْرِينَ أَلْفَ

دِرْهَمٍ فِي تَكْفِينِ الْمَوْتَى، وَيَصْرِفُ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَلْفَ دينار إلى عشرين نفساً يحجون عن والدته، وَعَنْ عَضُدِ الدَّوْلَةِ، لِأَنَّهُ كَانَ السَّبَبَ فِي تمليكه، وثلاثة الألف دِينَارٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ إِلَى الْحَدَّادِينَ وَالْحَذَّائِينَ لأجل المنقطعين من همذان وبغداد، يصلحون الْأَحْذِيَةَ وَنِعَالَ دَوَابِّهِمْ، وَيَصْرِفُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِائَةَ أَلْفِ دِينَارٍ إِلَى الْحَرَمَيْنِ صَدَقَةً عَلَى الْمُجَاوِرِينَ، وَعِمَارَةِ الْمَصَانِعِ، وَإِصْلَاحِ الْمِيَاهِ فِي طَرِيقِ الحجاز، وحفر الآبار.

وما اجتاز في طريقه وأسفاره بماء إِلَّا بَنَي عِنْدَهُ قَرْيَةً، وَعُمِّرَ فِي أَيَّامِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ وَالْخَانَاتِ مَا يُنَيِّفُ عَلَى أَلْفَيْ مَسْجِدٍ وَخَانٍ، هَذَا كُلُّهُ خَارِجًا عَمَّا يَصْرِفُ مِنْ دِيوَانِهِ مِنَ الْجِرَايَاتِ، وَالنَّفَقَاتِ وَالصَّدَقَاتِ، وَالْبِرِّ والصلات، وعلى أَصْنَافِ النَّاسِ، مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْقُضَاةِ، وَالْمُؤَذِّنِينَ وَالْأَشْرَافِ، والشهود والفقراء، والمساكين والأيتام والأرامل.

وكان مع هذا كَثِيرَ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَكَانَ لَهُ مِنَ الدَّوَابِّ المربوطة في سبيل الله وفي الحشر ما ينيف على عشرين ألف دابة.

توفي في هذه السنة رحمه الله عن نيف وثمانين سنة، ودفن في مشهد عَلَيٍّ، وَتَرَكَ مِنَ الْأَمْوَالِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ بدرة، ونيفاً وأربعين بدرة، البدرة عشر آلاف، رحمه الله.

الحسن بن الحسين حمكان أبو علي الهمداني، أَحَدُ الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ بِبَغْدَادَ، عُنِيَ أَوَّلًا بِالْحَدِيثِ فسمع منه أبو حامد المروزي وَرَوَى عَنْهُ الْأَزْهَرِيُّ، وَقَالَ: كَانَ ضَعِيفًا لَيْسَ بشئ في الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>