للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحسبة بنفسه فكان يدور بنفسه فِي الْأَسْوَاقِ عَلَى حِمَارٍ لَهُ - وَكَانَ لَا يَرْكَبُ إِلَّا حِمَارًا - فَمَنْ وَجَدَهُ قَدْ غَشَّ في معيشة أَمَرَ عَبْدًا أَسْوَدَ مَعَهُ يُقَالُ لَهُ مَسْعُودٌ، أن يفعل به الفاحشة العظمى، وَهَذَا أَمْرٌ مُنْكَرٌ

مَلْعُونٌ، لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ، وَكَانَ قَدْ مَنَعَ النِّسَاءَ مِنَ الْخُرُوجِ مِنْ منازلهن (١) وقطع شجر الأعناب حتى لا يتخذ الناس منها خَمْرًا (٢) ، وَمَنَعَهُمْ مِنْ طَبْخِ الْمُلُوخِيَّةٍ (٣) ، وَأَشْيَاءَ مِنَ الرعونات التي من أحسنها منع النساء من الخروج، وكراهة الخمر، وكانت العامة تبغضه كثيراً، ويكتبون له الأوراق بالشتيمة البالغة له ولأسلافه، في صورة قصص، فإذا قرأها ازداد غيظاً وحنقاً عَلَيْهِمْ، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ مِصْرَ عَمِلُوا صُورَةَ امْرَأَةٍ مِنْ وَرَقٍ بِخُفَّيْهَا وَإِزَارِهَا.

وَفِي يَدِهَا قصة من الشتم واللعن والمخالفة شئ كَثِيرٌ، فَلَمَّا رَآهَا ظَنَّهَا امْرَأَةً، فَذَهَبَ مِنْ نَاحِيَتِهَا وَأَخَذَ الْقِصَّةَ مِنْ يَدِهَا فَقَرَأَهَا فَرَأَى ما فيها، فأغضبه ذلك جداً، فأمر بقتل المرأة، فلما تحققها من ورق ازداد غيظاً إلى غيظه، ثم لما وصل إلى القاهرة أمر السُّودَانِ أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى مِصْرَ فَيُحَرِّقُوهَا وَيَنْهَبُوا ما فيها من الأموال والمتاع والحريم، فذهبوا فامتثلوا ما أمر هم به، فقاتلهم أهل مصر قتالاً شديداً، ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَالنَّارُ تَعْمَلُ فِي الدُورِ وَالْحَرِيمِ، وهو في كل يوم قبحه الله، يخرج فيقف من بعيد وينظر وَيَبْكِي وَيَقُولُ: مَنْ أَمَرَ هَؤُلَاءِ الْعُبَيْدَ بِهَذَا؟ ثُمَّ اجْتَمَعَ النَّاس فِي الْجَوَامِعِ وَرَفَعُوا الْمَصَاحِفَ وصاروا إلى الله عزوجل، وَاسْتَغَاثُوا بِهِ، فَرَقَّ لَهُمُ التُّرْكُ وَالْمَشَارِقَةُ وَانْحَازُوا إليهم، وقاتلوا مَعَهُمْ عَنْ حَرِيمِهِمْ وَدُورِهِمْ، وَتَفَاقَمَ الْحَالُ جِدًّا، ثم ركب الحاكم لعنه الله ففصل بين الفريقين، وكف العبيد عنهم، وكان يظهر التنصل مما فعله العبيد وأنهم ارْتَكَبُوا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ وَإِذْنِهِ، وَكَانَ ينفذ إليهم السلاح ويحثهم على ذلك في الباطن، وما انجلى الأمر حتى احترق من مصر نحو ثلثها، ونهب قريب من نصفها، وسبيت نساء وبنات كثيرة وفعل معهن الْفَوَاحِشُ وَالْمُنْكَرَاتُ، حَتَّى إِنَّ مِنْهُنَّ مَنْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا خَوْفًا مِنَ الْعَارِ وَالْفَضِيحَةِ، وَاشْتَرَى الرِّجَالُ مِنْهُمْ مَنْ سُبِيَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ وَالْحَرِيمِ، قال ابن الجوزي: ثم ازداد ظلم الحاكم حتى عنَّ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ الرُّبُوبِيَّةَ، فَصَارَ قَوْمٌ مِنَ الْجُهَّالِ إِذَا رَأَوْهُ يَقُولُونَ: يَا وَاحِدُ يَا أحد يا محيي يا مميت قبحهم الله جميعاً.

صِفَةُ مَقْتَلِهِ لَعَنَهُ اللَّهُ كَانَ قَدْ تَعَدَّى شره إلى النَّاس كلهم حتى إلى أخته (٤) ، وكان يتهمها بالفاحشة، ويسمعها


(١) أصدر مرسومه الشهير هذا في شعبان سنة ٤٠٤ هـ.
(٢) صدر مرسوم في ربيع الأول سنة ٣٩٩ هـ وصدر مرسوم في محرم ٤٠٢ وأتبعه بمرسوم جديد في جمادى الآخرة سنة ٤٠٣ بشأن الخمر وتحريم المسكرات والفقاع والزبيب وجميع الاعناب، وهكذا خصت الخمر ومصادرها طوال عهد الحاكم بأقسى المطاردات وأعنفها (انظر الخطط للمقريزي ٤ / ٧٢ وابن خلكان ٢ / ١٦٦) .
(٣) صدر مرسوم منع أكل الملوخية في المحرم سنة ٣٩٥.
(٤) واسمها ست الملك (الكامل - العبر) .
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>