للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عاد أَبُو إِسْحَاقَ إِلَيْهَا.

وَفِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ قُتِلَ الصُّلَيْحِيُّ أَمِيرُ الْيَمَنِ وَصَاحِبُ مَكَّةَ قَتَلَهُ بَعْضُ أُمَرَاءِ الْيَمَنِ، وَخُطِبَ لِلْقَائِمِ بأمر الله العباسي.

وفيها حج بالناس أبو الغنائم النقيب.

وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِيهَا مِنَ الْأَعْيَانِ ... مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل بن محمد أبو علي الطرسوسي، وَيُقَالُ لَهُ الْعِرَاقِيُّ (١) ، لِظَرْفِهِ وَطُولِ مُقَامِهِ بِهَا، سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي طَاهِرٍ الْمُخَلِّصِ، وَتَفَقَّهَ على أبي محمد الباقي، ثُمَّ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ، وَوَلِيَ قضاء بلدة طرسوس وكان من الفقهاء الفضلاء المبرزين.

[ثم دخلت سنة ستين وأربعمائة]

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: فِي جُمَادَى الْأُولَى كَانَتْ زَلْزَلَةٌ بِأَرْضِ فِلَسْطِينَ، أَهْلَكَتْ بَلَدَ الرَّمْلَةِ، وَرَمَتْ شراريف مِنْ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولحقت وادي الصفر وخيبر، وانشقت الأرض عن كنوز كثيرة مِنَ الْمَالِ، وَبَلَغَ حِسُّهَا إِلَى الرَّحْبَةِ وَالْكُوفَةِ، وجاء كتاب بعض التجار فيه ذكر هذه الزلزلة وذكر فيه إِنَّهَا خَسَفَتْ الرَّمْلَةَ جَمِيعًا حَتَّى لَمْ يَسْلَمْ مِنْهَا إِلَّا دَارَانِ فَقَطْ، وَهَلَكَ مِنْهَا خَمْسَ عشرة (٢) ألف نسمة، وانشقت صخرة بيت المقدس، ثمَّ عادت فالتأمت، وَغَارَ الْبَحْرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَسَاخَ فِي الْأَرْضِ وَظَهَرَ فِي مَكَانِ الْمَاءِ أَشْيَاءُ مِنْ جَوَاهِرَ وَغَيْرِهَا، وَدَخَلَ النَّاس فِي أَرْضِهِ يَلْتَقِطُونَ، فَرَجَعَ عليهم فأهلك كثيراً منهم، أو أكثرهم.

وفي يوم النِّصْفِ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ قُرِئَ الِاعْتِقَادُ الْقَادِرِيُّ الذي فيه مذهب أهل السنة، وَالْإِنْكَارُ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ، وَقَرَأَ أَبُو مُسْلِمٍ الكجي الْبُخَارِيُّ الْمُحَدِّثُ كِتَابَ التَّوْحِيدِ لِابْنِ خُزَيْمَةَ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْحَاضِرِينَ.

وَذُكِرَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الْوَزِيرِ ابْنِ جهير وجماعة الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ الْكَلَامِ، وَاعْتَرَفُوا بِالْمُوَافَقَةِ، ثُمَّ قُرِئَ الاعتقاد القادري على الشريف أبي جعفر بن المقتدي بِاللَّهِ بِبَابِ

الْبَصْرَةِ، وَذَلِكَ لِسَمَاعِهِ لَهُ مِنَ الْخَلِيفَةِ الْقَادِرِ بِاللَّهِ مُصَنِّفُهُ.

وَفِيهَا عَزَلَ الْخَلِيفَةُ وَزِيرَهُ أَبَا نَصْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ جَهِيرٍ، الْمُلَقَّبَ فَخْرَ الدَّوْلَةِ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ يُعَاتِبُهُ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، فَاعْتَذَرَ مِنْهَا وَأَخَذَ فِي التَّرَفُّقِ وَالتَّذَلُّلِ، فَأُجِيبَ بِأَنْ يَرْحَلَ إِلَى أَيِّ جهة شاء، فاختار ابن مزيد فباع أصحابه أملاكهم وطلقوا نساءهم وأخذ أولاه وأهله وجاء ليركب في سفينة لينحدر منها إلى الحلة (٢) ، والناس يتباكون حوله لِبُكَائِهِ، فَلَمَّا اجْتَازَ بِدَارِ الْخِلَافَةِ قَبَّلَ الْأَرْضَ دفعات


(١) ذكره ابن الأثير في تاريخه ١٠ / ٥٦ أبو علي الطوسي، قاضيها، وهو عمر بن إسماعيل بن محمد.
(٢) في رواية ابن الأثير في تاريخه ١٠ / ٥٧: خمسة وعشرون ألف نسمة.
(٣) في الكامل ١٠ / ٥٧: الفلوجة.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>