للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصل، البغدادي المنشأ، وذكره العماد في الجريدة.

قَالَ: وَكَانَ صَاحِبِي، وَجَلَسَ لِلْوَعْظِ وَحَضَرَ عِنْدَهُ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ، وَأَوْرَدَ لَهُ مُقَطِّعَاتِ أَشْعَارٍ، فمن ذلك ما كان يقول: يَا مَالِكًا مُهْجَتِي يَا مُنْتَهَى أَمَلِي * يَا حَاضِرًا شَاهِدًا فِي الْقَلْبِ وَالْفِكْرِ خَلَقْتَنِي مِنْ تُرَابٍ أَنْتَ خَالِقُهُ * حَتَّى إِذَا صِرْتُ تِمْثَالًا مِنَ الصُّوَرِ أَجْرَيْتَ فِي قَالِبِي رُوحًا مُنَوَّرَةً * تمر فيه كجري الماء في الشجر جمعتني من صَفَا رُوحٍ مُنَوَّرَةٍ * وَهَيْكَلٍ صُغْتَهُ مِنْ مَعْدِنٍ كَدِرِ إِنْ غِبْتُ فِيكَ فَيَا فَخْرِي وَيَا شَرَفِي * وَإِنْ حَضَرْتُ فَيَا سَمْعِي وَيَا بَصَرِي أو احْتَجَبْتَ فَسِرِّي فِيكَ فِي وَلَهٍ * وَإِنْ خَطَرْتَ فَقَلْبِي مِنْكَ فِي خَطَرِ تَبْدُو فَتَمْحُو رُسُومِي ثم تثبتها * وإن تغيب (١) عني عشت بالأثر وفيها توفي من الأعيان الحافظ أبو القاسم ابن عَسَاكِرَ.

عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ ابن عَسَاكِرَ أَبُو الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ، أَحَدُ أَكَابِرِ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَمَنْ عُنِيَ بِهِ سَمَاعًا وَجَمْعًا وَتَصْنِيفًا وَاطِّلَاعًا وَحِفْظًا لِأَسَانِيدِهِ وَمُتُونِهِ، وَإِتْقَانًا لِأَسَالِيبِهِ وَفُنُونِهِ، وصنف تَارِيخَ الشَّامِ فِي ثَمَانِينَ مُجَلَّدَةً، فَهِيَ بَاقِيَةٌ بعده مخلدة، وقد ندر عَلَى مَنْ تَقَدَّمَهُ مِنَ الْمُؤَرِّخِينَ، وَأَتْعَبَ مَنْ يأتي بعده من المتأخرين،

فحاز فيه قصب السبق، ومن نظر فيه وتأمله رأى ما وصفه فيه وأصله، وحكم بأنه فريد دهره، في التواريخ، وأنه الذُّرْوَةِ الْعُلْيَا مِنَ الشَّمَارِيخِ، هَذَا مَعَ مَا له في علوم الحديث من الكتب المفيدة، وما هو مشتمل عَلَيْهِ مِنَ الْعِبَادَةِ وَالطَّرَائِقِ الْحَمِيدَةِ، فَلَهُ أَطْرَافُ الكتب الستة، والشيوخ النبل، وتبيين كَذِبِ الْمُفْتَرِي عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ، وَالْأَجْزَاءِ وَالْأَسْفَارِ، وَقَدْ أَكْثَرَ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ مِنَ التِّرْحَالِ والأسفار، وجاز الْمُدُنَ وَالْأَقَالِيمَ وَالْأَمْصَارَ، وَجَمَعَ مِنَ الْكُتُبِ مَا لَمْ يَجْمَعْهُ أَحَدٌ مِنَ الْحُفَّاظِ نَسْخًا وَاسْتِنْسَاخًا، ومقابلة وتصحيح الألفاظ، وكان من أكابر سروات الدَّمَاشِقَةِ، وَرِيَاسَتُهُ فِيهِمْ عَالِيَةٌ بَاسِقَةٌ، مِنْ ذَوِي الأقدار والهيئات، والأموال الجزيلة، والصلاة والهبات، كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي الْحَادِي عَشَرَ مِنْ رَجَبٍ، وله من العمر ثنتان وَسَبْعُونَ سَنَةً، وَحَضَرَ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ جِنَازَتَهُ وَدُفِنَ بِمَقَابِرِ بَابِ الصَّغِيرِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَكَانَ الَّذِي صلَّى عَلَيْهِ الشَّيْخُ قُطْبُ الدِّينِ النَّيْسَابُورِيُّ.

قَالَ ابْنُ خَلِّكَانَ وَلَهُ أَشْعَارٌ كَثِيرَةٌ منها: أَيَا نَفْسُ وَيْحَكِ جَاءَ الْمَشِيبُ * فَمَاذَا التَّصَابِي وماذا الغزل؟


(١) في الروضتين ١ / ٢ / ٦٦٨: تغيبت.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>