للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويأكلها وشاع هذا بينهم بلا إنكار ولا شكوى، بل يعذر بعضهم بعضاً، وَوُجِدَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَرْبَعُمِائَةِ رَأْسٍ وَهَلَكَ كَثِيرٌ من الأطباء الذين يستدعون إلى المرضى، فكانوا يذبحون ويؤكلون، كان الرجل يستدعى الطبيب ثم يذبحه ويأكله، وقد استدعى رجل طبيباً حاذقاً وكان الرجل موسراً من أهل المال، فذهب الطبيب معه على وجلٍ وخوفٍ، فجعل الرجل يتصدق على من لقيه في الطريق ويذكر الله ويسبحه، وَيُكْثِرُ مِنْ ذَلِكَ، فَارْتَابَ بِهِ الطَّبِيبُ وَتَخَيَّلَ منه، وَمَعَ هَذَا حَمَلَهُ الطَّمَعُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ مَعَهُ حتى دخل داره، فإذا هي خربة فارتاب الطبيب أيضاً فخرج صاحبه فقال له: وَمَعَ هَذَا الْبُطْءِ جِئْتَ لَنَا بِصَيْدٍ، فَلَمَّا سَمِعَهَا الطَّبِيبُ هَرَبَ فَخَرَجَا خَلْفَهُ سِرَاعًا فَمَا خلص إلا بعد جهد وشر.

وَفِيهَا وَقَعَ وَبَاءٌ شَدِيدٌ بِبِلَادِ عَنَزَةَ بَيْنَ الحجاز واليمن، وكانوا عشرين قرية، فبادت منها ثماني عشرة لم يَبْقَ فِيهَا دَيَّارٌ وَلَا نَافِخُ نَارٍ، وَبَقِيَتْ أَنْعَامُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ لَا قَانِيَ لَهَا، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَسْكُنَ تِلْكَ الْقُرَى وَلَا يَدْخُلَهَا، بل كان من اقترب إلى شئ من هذه القرى هلك من ساعته، نعوذ بالله من بأس الله وعذابه، وغضبه وعقابه، أَمَّا الْقَرْيَتَانِ الْبَاقِيَتَانِ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَمُتْ مِنْهُمَا أَحَدٌ وَلَا عِنْدَهُمْ شُعُورٌ بِمَا جَرَى عَلَى من حولهم، بل هم على حالهم لم يفقد منهم أحد فسبحان الحكيم العليم.

وَاتَّفَقَ بِالْيَمَنِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ كَائِنَةٌ غَرِيبَةٌ جِدًّا، وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمْزَةَ الْعَلَوِيُّ كَانَ قَدْ تَغَلَّبَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ، وَجَمَعَ نَحَوًا مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَمِنَ الرَّجَّالَةِ جمعاً كثيراً، وخافه ملك اليمن إسماعيل بْنِ طُغْتِكِينَ بْنِ أَيُّوبَ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ زوال

ملكه على يدي هذا الرجل، وَأَيْقَنَ بِالْهَلَكَةِ لِضَعْفِهِ عَنْ مُقَاوَمَتِهِ، وَاخْتِلَافِ أُمَرَائِهِ مَعَهُ فِي الْمَشُورَةِ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ صَاعِقَةً فَنَزَلَتْ عليهم فلم يبق منهم سوى طائفة من الخيالة والرجالة، فاختلف جيشه فيما بينهم فغشيهم المعز فقتل منهم ستة آلاف، وَاسْتَقَرَّ فِي مُلْكِهِ آمِنًا.

وَفِيهَا تَكَاتَبَ الْأَخَوَانِ الْأَفْضَلُ مِنْ صَرَخْدَ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَلَبَ عَلَى أَنْ يَجْتَمِعَا عَلَى حِصَارِ دِمَشْقَ وَيَنْزِعَاهَا مِنَ الْمُعَظَّمِ بْنِ الْعَادِلِ، وَتَكُونُ لِلْأَفْضَلِ، ثُمَّ يَسِيرَا إلى مصر فَيَأْخُذَاهَا مِنَ الْعَادِلِ وَابْنِهِ الْكَامِلِ اللَّذَيْنِ نَقَضَا العهد وأبطلا خطبة المنصور، ونكثا المواثيق، فإذا أخذا مِصْرَ كَانَتْ لِلْأَفْضَلِ وَتَصِيرُ دِمَشْقُ مُضَافَةً إِلَى الظَّاهِرِ مَعَ حَلَبَ، فَلَمَّا بَلَغَ الْعَادِلَ مَا تَمَالَآ عَلَيْهِ أَرْسَلَ جَيْشًا مَدَدًا لِابْنِهِ الْمُعَظَّمِ عيسى إلى دمشق، فوصلوا إليها قبل وصول الظاهر وأخيه إليها، وَكَانَ وُصُولُهُمَا إِلَيْهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ ناحية بعلبك، فنزلا على مَسْجِدِ الْقَدَمِ وَاشْتَدَّ الْحِصَارُ لِلْبَلَدِ، وَتَسَلَّقَ كَثِيرٌ من الجيش من ناحية خان القدم، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا فَتْحُ الْبَلَدِ، لَوْلَا هُجُومُ الليل، ثم إن الظاهر بدا له في كون دمشق لِلْأَفْضَلِ فَرَأَى أَنْ تَكُونَ لَهُ أَوَّلًا، ثُمَّ إذا فتحت مصر تسلمها الأفضل، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبَلِ الْأَفْضَلُ، فاختلفا وتفرقت كلمتهما، وتنازعا الْمُلْكِ بِدِمَشْقَ، فَتَفَرَّقَتِ الْأُمَرَاءُ

<<  <  ج: ص:  >  >>