للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَرْوَاحُنَا فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِنَا * وَحَاصِلُ دُنْيَانَا أَذًى (١) وَوَبَالُ وَلَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمْرِنَا (٢) * سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلَ وَقَالُوا ثُمَّ يَقُولُ: لَقَدِ اخْتَبَرْتُ الطُّرُقَ الْكَلَامِيَّةَ وَالْمَنَاهِجَ الْفَلْسَفِيَّةَ فَلَمْ أَجِدْهَا تَرْوِي غَلِيلًا وَلَا تَشْفِي عَلِيلًا، وَرَأَيْتُ أَقْرَبَ الطُّرُقِ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ، أَقْرَأُ فِي الْإِثْبَاتِ (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه: ٥] (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطيب) [فاطر: ١٠] وفي النفي (لَيْسَ كمثله شئ) [الشورى: ١١] (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سميا) [مريم: ٦٥] .

ثم دخلت سنة سبع وستمائة ذكر الشيخ أبو شامة أَنَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ تَمَالَأَتْ مُلُوكُ الْجَزِيرَةِ: صاحب الموصل وصاحب سنجار وصاحب إربل والظاهر صاحب حلب وملك الروم، عَلَى مُخَالَفَةِ الْعَادِلِ وَمُنَابَذَتِهِ وَمُقَاتَلَتِهِ وَاصْطِلَامِ الْمُلْكِ من يده، وأن تكون الخطبة للملك كنجر بن قلج أَرْسَلَانَ صَاحِبِ الرُّومِ، وَأَرْسَلُوا إِلَى الْكُرْجِ لِيَقْدُمُوا لحصار خلاط، وفيها الملك الأوحد ابن الْعَادِلِ، وَوَعَدَهُمُ النَّصْرَ وَالْمُعَاوَنَةَ عَلَيْهِ.

قُلْتُ: وَهَذَا بَغْيٌ وَعُدْوَانٌ يَنْهَى اللَّهُ عَنْهُ، فَأَقْبَلَتِ الْكُرْجُ بِمَلِكِهِمْ إِيوَانِي فَحَاصَرُوا خِلَاطَ فَضَاقَ بِهِمُ الْأَوْحَدُ ذَرْعًا وَقَالَ: هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ، فَقَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ تَاسِعَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْآخِرِ اشْتَدَّ حِصَارُهُمْ لِلْبَلَدِ وَأَقْبَلَ مَلِكُهُمْ إِيوَانِي وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى جَوَادِهِ وَهُوَ سَكْرَانُ فَسَقَطَ بِهِ جَوَادُهُ فِي بَعْضِ الْحُفَرِ الَّتِي قَدْ أُعِدَّتْ مَكِيدَةً حَوْلَ الْبَلَدِ، فَبَادَرَ إِلَيْهِ رِجَالُ الْبَلَدِ فَأَخَذُوهُ أَسِيرًا حَقِيرًا، فَأُسْقِطَ فِي أيدي الكرج، فما أُوقِفَ بَيْنَ يَدِيِ الْأَوْحَدِ أَطْلَقَهُ وَمَنَّ عَلَيْهِ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَفَادَاهُ عَلَى مِائَتَيْ أَلْفِ دِينَارٍ وَأَلْفَيْ أَسِيرٍ (٣) مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَسْلِيمِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ قَلْعَةً مُتَاخِمَةً لِبِلَادِ الْأَوْحَدِ، وَأَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ من أخيه الْأَشْرَفِ مُوسَى (٤) ، وَأَنْ يَكُونَ عَوْنًا لَهُ عَلَى مَنْ يُحَارِبُهُ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فَأُخِذَتِ منه الأيمان بِذَلِكَ وَبَعَثَ الْأَوْحَدُ إِلَى أَبِيهِ يَسْتَأْذِنُهُ فِي ذلك كله وأبوه نازل بظاهر

حراب في أشد حدة مما قد داهمه من هذا الْأَمْرِ الْفَظِيعِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُ هذا الخبر والأمر الهائل مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الحكيم، لا من حولهم ولا من قوتهم، ولا كان في بالهم، فكاد يذهل من شدة الفرح والسرور، ثم أجاز جميع ما شرطه وَلَدُهُ، وَطَارَتِ الْأَخْبَارُ بِمَا وَقَعَ بَيْنَ الْمُلُوكِ فَخَضَعُوا وَذَلُّوا عِنْدَ ذَلِكَ، وَأَرْسَلَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَعْتَذِرُ مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ وَيُحِيلُ عَلَى غَيْرِهِ، فَقَبِلَ مِنْهُمُ اعْتِذَارَاتِهِمْ وَصَالَحَهُمْ صُلْحًا أَكِيدًا وَاسْتَقْبَلَ الملك عصرا جديدا، ووفى ملك الكرج الأوحد بجميع ما شرطه


(١) في الوافي: ردى.
(٢) في الوافي: دهرنا..قلت وقالوا.
(٣) في تاريخ أبي الفداء: ٣ / ١١٣: خمسة آلاف أسير ومائة ألف دينار وعقد الهدنة ثلاثين سنة مع المسلمين.
(٤) في ابن خلدون ٥ / ٣٤٢ وتاريخ أبي الفداء ٣ / ١١٣: أن يزوج ابنته من الملك الاوحد.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>