للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكِنْدِيُّ، وُلِدَ بِبَغْدَادَ وَنَشَأَ بِهَا وَاشْتَغَلَ وَحَصَّلَ، ثُمَّ قَدِمَ دِمَشْقَ فَأَقَامَ بِهَا وَفَاقَ أَهْلَ زمانه شرقاً وغرباً في اللغة والنحو وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ فُنُونِ الْعِلْمِ، وَعُلُوِّ الْإِسْنَادِ وحسن الطريقة والسيرة وحسن العقيدة، وانتفع به علماء زمانه وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ وَخَضَعُوا لَهُ.

وَكَانَ حَنْبَلِيًّا ثُمَّ صار حنفياً.

ولد في الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فقرأ القرآن بالروايات وعمره عَشْرُ سِنِينَ، وَسَمِعَ الْكَثِيرَ مِنَ الْحَدِيثِ الْعَالِي على الشيوخ الثقات، وعنى به وتعلم العربية واللغة واشتهر بذلك، ثم دخل الشام في سنة ثلاث وستين وخمسمائة، ثم سكن مِصْرَ وَاجْتَمَعَ بِالْقَاضِي الْفَاضِلِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى دمشق فسكن بدار الْعَجَمِ مِنْهَا وَحَظِيَ عِنْدَ الْمُلُوكِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْأُمَرَاءِ،

وَتَرَدَّدَ إِلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَالْمُلُوكُ وَأَبْنَاؤُهُمْ، كَانَ الْأَفْضَلُ بْنُ صَلَاحِ الدِّينِ وَهُوَ صَاحِبُ دِمَشْقَ يَتَرَدَّدُ إليه إلى منزله، وكذلك أخوه المحسن والمعظم ملك دمشق، كان يَنْزِلُ إِلَيْهِ إِلَى دَرْبِ الْعَجَمِ يَقْرَأُ عَلَيْهِ فِي الْمُفَصَّلِ لِلزَّمَخْشَرِيِّ، وَكَانَ الْمُعَظَّمُ يُعْطِي لِمَنْ حَفِظَ الْمُفَصَّلَ ثَلَاثِينَ دِينَارًا جَائِزَةً، وَكَانَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ بِدَرْبِ الْعَجَمِ جَمِيعُ الْمُصَدَّرِينَ بِالْجَامِعِ، كَالشَّيْخِ علم الدين السخاوي ويحيى بن معطى الوجيه اللغوي، وَالْفَخْرِ التُّرْكِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَكَانَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ يُثْنِي عليه.

قَالَ السَّخَاوِيُّ: كَانَ عِنْدَهُ مِنَ الْعُلُومِ مَا لَا يُوجَدُ عِنْدَ غَيْرِهِ.

وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّ سيبويه قد شرح عليه كتابه وكان اسمه عمرو، واسمه زَيْدٌ.

فَقُلْتُ فِي ذَلِكَ: لَمْ يَكُنْ فِي عَهْدِ (١) عَمْرٍو مِثْلُهُ * وَكَذَا الْكِنْدِيُّ فِي آخِرِ عَصْرٍ فَهُمَا زَيْدٌ وَعَمْرٌو إِنَّمَا * بُنِيَ النَّحْوُ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرِو قَالَ أَبُو شَامَةَ: وَهَذَا كَمَا قَالَ فِيهِ ابْنُ الدَّهَّانِ الْمَذْكُورُ فِي سَنَةِ ثِنْتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ: يَا زَيْدُ زَادَكَ رَبِّي مِنْ مَوَاهِبِهِ * نِعَمًا يُقَصِّرُ عَنْ إِدْرَاكِهَا الْأَمَلُ النَّحْوُ أَنْتَ أَحَقُّ الْعَالَمِينَ بِهِ * أَلَيْسَ باسمك فيه يضرب المثل وقد مدحه السخاوي بقصيدة حسنة وأثنى عليه أَبُو الْمُظَفَّرِ سِبْطُ ابْنِ الْجَوْزِيِّ، فَقَالَ قَرَأْتُ عليه وكان حسن القصيدة ظريف الخلق لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ مُجَالَسَتِهِ، وَلَهُ النَّوَادِرُ الْعَجِيبَةُ وَالْخَطُّ الْمَلِيحُ وَالشِّعْرُ الرَّائِقُ، وَلَهُ دِيوَانُ شِعْرٍ كَبِيرٌ، وَكَانَتْ وَفَاتُهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ سَادِسَ شوال منها وله ثلاث وتسعون سنة وشهر وسبعة عَشَرَ يَوْمًا وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ دِمَشْقَ ثُمَّ حُمِلَ إِلَى الصَّالِحِيَّةِ فَدُفِنَ بِهَا، وَكَانَ قَدْ وقف كتبه - وكانت نَفِيسَةً - وَهِيَ سَبْعُمِائَةٍ وَإِحْدَى وَسِتُّونَ مُجَلَّدًا، عَلَى معتقه نجيب الدين ياقوت، ثُمَّ عَلَى الْعُلَمَاءِ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَاللُّغَةِ وغير ذلك، وجعلت في خزانة كبيرة في مقصورة ابن سنان الحلبية المجاورة لمشهد علي بن زَيْنِ الْعَابِدِينَ، ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْكُتُبَ تَفَرَّقَتْ وبيع كَثِيرٌ مِنْهَا وَلَمْ يَبْقَ بِالْخِزَانَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا إلا القليل الرث، وهي بمقصورة الحلبية، وكانت قديماً يقال لها


(١) في الوافي بالوفيات ١٥ / ٥٢: عصر.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>