للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَتَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَتَوَلَّى الْقَضَاءَ بعده شمس الدين أحمد بن الخليلي الجويني.

قُلْتُ: وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ، وَدُفِنَ بِدَارِهِ الَّتِي فِي رَأْسِ دَرْبِ الرَّيْحَانِ مِنْ نَاحِيَةِ الْجَامِعِ، وَلِتُرْبَتِهِ شُبَّاكٌ شرق الْمَدْرَسَةِ الصَّدْرِيَّةِ الْيَوْمَ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ ابْنُ عنين وكان هجاء: ما أقصر الْمِصْرِيُّ فِي فِعْلِهِ * إِذْ جَعَلَ التُّرْبَةَ فِي دَارِهِ أَرَاحَ لِلْأَحْيَاءِ مِنْ رَجْمِهِ * وَأَبْعَدَ الْأَمْوَاتَ مِنْ نَارِهِ الْمُعْتَمِدُ وَالِي دِمَشْقَ الْمُبَارِزُ إِبْرَاهِيمُ المعروف بالمعتمد والي دمشق، مِنْ خِيَارِ الْوُلَاةِ وَأَعَفِّهِمْ وَأَحْسَنِهِمْ سِيرَةً

وَأَجْوَدِهِمْ سَرِيرَةً، أَصْلُهُ مِنَ الْمَوْصِلِ، وَقَدِمَ الشَّامَ فَخَدَمَ فروخشاه بْنَ شَاهِنْشَاهْ بْنِ أَيُّوبَ، ثُمَّ اسْتَنَابَهُ الْبَدْرُ مودود أخو فروخشاه، وَكَانَ شِحْنَةَ دِمَشْقَ، فَحُمِدَتْ سِيرَتُهُ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ صَارَ هُوَ شِحْنَةَ دِمَشْقَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَجَرَتْ فِي أَيَّامِهِ عَجَائِبُ وَغَرَائِبُ، وَكَانَ كَثِيرَ الستر على ذوي الهيئات، ولا سيما مَنْ كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ النَّاسِ وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ، وَاتَّفَقَ فِي أَيَّامِهِ أَنَّ رَجُلًا حَائِكًا كَانَ له ولد صَغِيرٌ فِي آذَانِهِ حَلَقٌ فَعَدَا عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ جِيرَانِهِمْ فَقَتَلَهُ غِيلَةً وَأَخَذَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْحُلِيِّ وَدَفَنَهُ فِي بَعْضِ الْمَقَابِرِ، فَاشْتَكَوْا عليه فلم يقر، فبكت وَالِدَتُهُ مِنْ ذَلِكَ وَسَأَلَتْ زَوْجَهَا أَنْ يُطْلِّقَهَا، فطلقها فذهبت إلى ذلك الرَّجل وَسَأَلَتْهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَأَظْهَرَتْ لَهُ أَنَّهَا أَحَبَّتْهُ فَتَزَوَّجَهَا، وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ حِينًا، ثُمَّ سَأَلَتْهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَنْ وَلَدِهَا الَّذِي اشْتَكَوْا عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ فَقَالَ: نَعَمْ أَنَا قَتَلْتُهُ.

فَقَالَتْ أَشْتَهِي أَنْ تُرِيَنِي قَبْرَهُ حتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَذَهَبَ بها إلى قبر خشنكاشه فَفَتَحَهُ فَنَظَرَتْ إِلَى وَلَدِهَا فَاسْتَعْبَرَتْ وَقَدْ أَخَذَتْ مَعَهَا سِكِّينًا أَعَدَّتْهَا لِهَذَا الْيَوْمِ، فَضَرَبَتْهُ حَتَّى قَتَلَتْهُ وَدَفَنَتْهُ مَعَ وَلَدِهَا فِي ذَلِكَ الْقَبْرِ، فَجَاءَ أَهْلُ الْمَقْبَرَةِ فَحَمَلُوهَا إِلَى الْوَالِي الْمُعْتَمِدِ هَذَا فَسَأَلَهَا فَذَكَرَتْ لَهُ خَبَرَهَا، فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ منها وأطلقها وأحسن إليها، وحكى عنه السبط قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا يَوْمًا خَارِجٌ مِنْ بَابِ الْفَرَجِ، وَإِذَا بِرَجُلٍ يَحْمِلُ طَبْلًا وَهُوَ سَكْرَانُ، فَأَمَرْتُ بِهِ فَضُرِبَ الْحَدَّ، وَأَمَرْتُهُمْ فَكَسَرُوا الطَّبْلَ، وإذا ذكرة كبيرة جداً فشقوها [فإذا فيها خمر] وَكَانَ الْعَادِلُ قَدْ مَنَعَ أَنْ يُعْصَرَ خَمْرٌ ويحمل إلى دمشق شئ مِنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَكَانَ النَّاسُ يَتَحَيَّلُونَ بِأَنْوَاعِ الْحِيَلِ وَلَطَائِفِ الْمَكْرِ، قَالَ السِّبْطُ فَسَأَلْتُهُ مِنْ أَيْنَ علمت أن في الطبل شيئاً؟ قال: رأيته يمشي ترجف سيقانه فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يَحْمِلُ شَيْئًا ثَقِيلًا فِي الطَّبْلِ.

وَلَهُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ غَرَائِبُ، وَقَدْ عَزَلَهُ الْمُعَظَّمُ وَكَانَ فِي نَفْسِهِ مِنْهُ وَسَجَنَهُ فِي الْقَلْعَةِ نَحْوًا مِنْ خَمْسِ سِنِينَ، وَنَادَى عَلَيْهِ فِي الْبَلَدِ فَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ ذَكَرَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ حَبَّةَ خَرْدَلٍ، وَلَمَّا مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ دُفِنَ بِتُرْبَتِهِ الْمُجَاوِرَةِ لِمَدْرَسَةِ أَبِي عُمَرَ مِنْ شَامِهَا قِبْلِيَّ السُّوقِ، وَلَهُ عِنْدَ تُرْبَتِهِ مَسْجِدٌ يُعْرَفُ بِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وَاقِفُ الشِّبْلِيَّةِ الَّتِي بِطَرِيقِ الصَّالِحِيَّةِ شِبْلُ الدَّوْلَةِ كَافُورٌ الْحُسَامِيُّ نِسْبَةً إِلَى حُسَامِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ لَاجِينَ، وَلَدِ سِتِّ الشَّامِ، وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>