للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيخ علي الْمَعْرُوفُ بِالْحَرِيرِيِّ (١) أَصْلُهُ مِنْ قَرْيَةِ بُسْرَ شَرْقِيَّ ذرع، وَأَقَامَ بِدِمَشْقَ مُدَّةً يَعْمَلُ صَنْعَةَ الْحَرِيرِ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَأَقْبَلَ يَعْمَلُ الْفَقِيرِيَّ عَلَى يَدِ الشيخ علي المغربل، وَابْتَنَى لَهُ زَاوِيَةً عَلَى الشَّرَفِ الْقِبْلِيِّ، وَبَدَرَتْ مِنْهُ

أَفْعَالٌ أَنْكَرَهَا عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ، كَالشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلام، وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ الصَّلَاحِ، وَالشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْحَاجِبِ شَيْخِ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ، فَلَمَّا كَانَتِ الدَّوْلَةُ الْأَشْرَفِيَّةُ حُبِسَ فِي قَلْعَةِ عَزَّتَا مُدَّةَ سِنِينَ ثُمَّ أَطْلَقَهُ الصَّالِحُ إِسْمَاعِيلُ وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُقِيمَ بِدِمَشْقَ، فَلَزِمَ بَلَدَهُ بُسْرَ مُدَّةً حَتَّى كَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، قَالَ الشَّيخ شِهَابُ الدِّين أَبُو شَامَةَ فِي الذَّيْلِ: وَفِي رَمَضَانَ أَيْضًا تُوُفِّيَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَعْرُوفُ بِالْحَرِيرِيِّ الْمُقِيمُ بِقَرْيَةِ بُسْرَ فِي زَاوِيَتِهِ، وَكَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَى دِمَشْقَ، وَتَبِعَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَهُمُ المعروفون بأصحاب الحريري أصحاب الْمُنَافِي لِلشَّرِيعَةِ، وَبَاطِنُهُمْ شَرٌّ مِنْ ظَاهِرِهِمْ، إِلَّا مَنْ رَجَعَ إِلَى اللَّهِ مِنْهُمْ، وَكَانَ عِنْدَ هَذَا الْحَرِيرِيِّ مِنَ الِاسْتِهْزَاءِ بِأُمُورِ الشَّرِيعَةِ وَالتَّهَاوُنِ فيها من إظهار شعائر أهل الفسوق والعصيان شئ كَثِيرٌ، وَانْفَسَدَ بِسَبَبِهِ جَمَاعَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ أَوْلَادِ كُبَرَاءِ دِمَشْقَ وَصَارُوا عَلَى زِيِّ أَصْحَابِهِ، وَتَبِعُوهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ كَانَ خَلِيعَ الْعِذَارِ، يَجْمَعُ مَجْلِسُهُ الغنا الدَّائِمَ وَالرَّقْصَ وَالْمُرْدَانَ، وَتَرْكَ الْإِنْكَارِ عَلَى أَحَدٍ فيما يفعله، وترك الصلوات وكثرت النَّفَقَاتِ، فَأَضَلَّ خَلْقًا كَثِيرًا وَأَفْسَدَ جَمًّا غَفِيرًا، وَلَقَدْ أَفْتَى فِي قَتْلِهِ مِرَارًا جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الشَّرِيعَةِ، ثُمَّ أَرَاحَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ.

هَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ.

وَاقِفُ الْعِزِّيَّةِ الْأَمِيرُ عِزُّ الدين أيبك أستاذ دار المعظم، كان مِنَ الْعُقَلَاءِ الْأَجْوَادِ الْأَمْجَادِ، اسْتَنَابَهُ الْمُعَظَّمُ عَلَى صرخد وظهرت منه نهضة وكفاية وسداد، وَوَقَفَ الْعِزِّيَّتَيْنِ الْجَوَّانِيَّةَ وَالْبَرَّانِيَّةَ، وَلَمَّا أَخَذَ مِنْهُ الصَّالِحُ أَيُّوبُ صَرْخَدَ عَوَّضَهُ عَنْهَا وَأَقَامَ بِدِمَشْقَ ثُمَّ وُشِيَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يُكَاتِبُ الصَّالِحَ إِسْمَاعِيلَ فَاحْتِيطَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَمْوَالِهِ وَحَوَاصِلِهِ فَمَرِضَ وَسَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ، وَقَالَ: هَذَا آخِرُ عَهْدِي.

وَلَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى مَاتَ وَدُفِنَ بِبَابِ النَّصْرِ بِمِصْرَ رحمه الله تعالى، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى تُرْبَتِهِ الَّتِي فَوْقَ الْوَرَّاقَةِ.

وَإِنَّمَا أَرَّخَ السِّبْطُ وَفَاتَهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الشِّهَابُ غَازِيُّ بْنُ الْعَادِلِ صَاحِبُ مَيَّافَارِقِينَ وَخِلَاطَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْبُلْدَانِ، كَانَ مِنْ عُقَلَاءِ بَنِي أَيُّوبَ وَفُضَلَائِهِمْ، وَأَهْلِ الدِّيَانَةِ منهم، ومما أنشد قوله:


(١) وهو أبو محمد، علي بن منصور الدمشقي مات فجأة يوم الجمعة ٢٦ رمضان وَقَدْ نَيَّفَ عَلَى التِّسْعِينَ.
(*)

<<  <  ج: ص:  >  >>