للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى عَيْنِ جَالُوتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْخَامِسَ والعشرين من رمضان، فاقتتلوا قتالاً عظيماً،

فَكَانَتِ النُّصْرَةُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، فَهَزَمَهُمُ المسلمون هزيمة هائلة وقتل أمير المغول كتبغانوين وجماعة من بيته، وقد قيل إن الذي قتل كتبغانوين الْأَمِيرُ جَمَالُ الدِّينِ آقُوشُ الشَّمْسِيُّ، وَاتَّبَعَهُمُ الْجَيْشُ الإسلامي يقتلونهم في كل موضع، وَقَدْ قَاتَلَ الْمَلِكُ الْمَنْصُورُ صَاحِبُ حَمَاةَ مَعَ الملك المظفر قتالاً شديداً، وَكَذَلِكَ الْأَمِيرُ فَارِسُ الدِّينِ أَقَطَايَ الْمُسْتَعْرِبُ، وَكَانَ أتابك العسكر، وقد أسر من جماعة كتبغانوين الْمَلِكُ السَّعِيدُ بْنُ الْعَزِيزِ بْنِ الْعَادِلِ فَأَمَرَ الْمُظَفَّرُ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، وَاسْتَأْمَنَ الْأَشْرَفُ صَاحِبُ حِمْصَ، وكان مع التتار وقد جعله هولاكو خان نَائِبًا عَلَى الشَّامِ كُلِّهِ، فَأَمَّنَهُ الْمَلِكُ الْمُظَفَّرُ وَرَدَّ إِلَيْهِ حِمْصَ، وَكَذَلِكَ رَدَّ حَمَاةَ إِلَى الْمَنْصُورِ وَزَادَهُ الْمَعَرَّةَ وَغَيْرَهَا، وَأَطْلَقَ سَلَمْيَةَ لِلْأَمِيرِ شَرَفِ الدِّينِ عِيسَى بْنِ مُهَنَّا بْنِ مَانِعٍ أمير العرب، واتبع الأمير بيبرس البند قداري وَجَمَاعَةٌ مِنَ الشُّجْعَانِ التَّتَارَ يَقْتُلُونَهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ، إِلَى أَنْ وَصَلُوا خَلْفَهُمْ إِلَى حَلْبَ، وهرب من بدمشق منهم يوم الأحد السابع والعشرين من رمضان، فتبعهم المسلمون من دمشق يقتلون فيهم ويستفكّون الأساري من أيديهم، وجاءت بذلك البشارة ولله الحمد على جبره إياهم بلطفه فجاوبتها دق البشائر من القلعة وفرح الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ فَرَحًا شَدِيدًا، وَأَيْدَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ وأهله تأييداً وكبت الله النصارى واليهود والمنافقين وظهر دين الله وهم كارهون، فَتَبَادَرَ عِنْدَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى كَنِيسَةِ النَّصَارَى الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا الصَّلِيبُ فَانْتَهَبُوا مَا فِيهَا وأحرقوها وألقوا النار فيما حولها فاحترق دور كثيرة إلى النصارى، وَمَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا، وَأَحْرَقَ بَعْضَ كَنِيسَةِ الْيَعَاقِبَةِ، وَهَمَّتْ طَائِفَةٌ بِنَهْبِ الْيَهُودِ، فَقِيلَ لهم أنه لم يكن منهم من الطغيان كما كان من عبدة الصلبان، وقتلت العامة وَسَطِ الْجَامِعِ شَيْخًا رَافِضِيًّا كَانَ مُصَانِعًا لِلتَّتَارِ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ يُقَالُ لَهُ الْفَخْرُ مُحَمَّدُ بن يوسف بن محمد الْكَنْجِيُّ، كَانَ خَبِيثَ الطَّوِيَّةِ مَشْرِقِيًّا مُمَالِئًا لَهُمْ على أموال المسلمين قبحه الله، وقتلوا جماعة مثله من المنافقين فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وقد كان هُولَاكُو أَرْسَلَ تَقْلِيدًا بِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ عَلَى جَمِيعِ المدائن: الشام، والجزيرة، والموصل، وماردين، وَالْأَكْرَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لِلْقَاضِي كَمَالِ الدِّينِ عُمَرَ بن بدار التَّفْلِيسِيِّ.

وَقَدْ كَانَ نَائِبَ الْحُكْمِ بِدِمَشْقَ عَنِ الْقَاضِي صَدَرِ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بْنِ سَنِيِّ الدَّوْلَةِ مِنْ مُدَّةِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَحِينَ وَصَلَ التَّقْلِيدُ فِي

سادس عشرين رَبِيعٍ الْأَوَّلِ قُرِئَ بِالْمَيْدَانِ الْأَخْضَرِ فَاسْتَقَلَّ بِالْحُكْمِ في دمشق وقد كان فاضلاً، فَسَارَ الْقَاضِيَانِ الْمَعْزُولَانِ صَدْرُ الدِّينِ بْنُ سَنِيِّ الدَّوْلَةِ وَمُحْيِي الدِّينِ بْنُ الزَّكِيِّ إِلَى خِدْمَةِ هولاكو خان إلى حلب، فَخَدَعَ ابْنُ الزَّكِيِّ لِابْنِ سَنِيِّ الدَّوْلَةِ وَبَذَلَ أموالاً جزيلة، وَتَوَلَّى الْقَضَاءَ بِدِمَشْقَ وَرَجَعَا، فَمَاتَ ابْنُ سَنِيِّ الدَّوْلَةِ بِبَعْلَبَكَّ، وَقَدِمَ ابْنُ الزَّكِيِّ عَلَى الْقَضَاءِ وَمَعَهُ تَقْلِيدُهُ وَخِلْعَةٌ مُذَهَّبَةٌ فَلَبِسَهَا وَجَلَسَ فِي خدمة إبل سنان تَحْتَ قُبَّةِ النَّسْرِ عِنْدَ الْبَابِ الْكَبِيرِ، وَبَيْنَهُمَا الخاتون زوجة إبل سنان حاسرة عن وجهها، وقرئ التقليد هناك والحالة كذلك، وحين ذكر اسم هولاكو نثر الذهب والفضة فوق رؤوس النَّاسِ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، قَبَّحَ اللَّهُ ذَلِكَ الْقَاضِيَ وَالْأَمِيرَ وَالزَّوْجَةَ وَالسُّلْطَانَ.

وَذَكَرَ أبو شامة: أن ابن الزكي اسْتَحْوَذَ عَلَى مَدَارِسَ كَثِيرَةٍ فِي مُدَّتِهِ هَذِهِ القصيرة،

<<  <  ج: ص:  >  >>