للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمير بكتمر الْحَاجِبُ صَاحِبُ الْحَمَّامِ الْمَشْهُورِ خَارِجَ بَابِ النَّصْرِ فِي طَرِيقِ مَقَابِرِ الصُّوفِيَّةِ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَيْدَانِ، كَانَتْ وَفَاتُهُ بِالْقَاهِرَةِ فِي عِشْرِينَ رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَدُفِنَ بِمَدْرَسَتِهِ الَّتِي أَنْشَاهَا إِلَى جَانِبِ دَارِهِ هُنَاكَ.

الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ عِيسَى بْنُ مُحَمَّدِ بن قراجا بْنِ سُلَيْمَانَ السُّهْرَوَرْدِيُّ الصُّوفِيُّ الْوَاعِظُ، لَهُ شِعْرٌ وَمَعْرِفَةٌ بِالْأَلْحَانِ وَالْأَنْغَامِ، وَمِنْ شِعْرِهِ قَوْلُهُ: بُشْرَاكَ يَا سَعْدُ هَذَا الْحَيُّ قَدْ بَانَا * فَحِلَّهَا سيبطل الإبل والبانا (١) منازل ما وردنا طيب منزلها * حتى شربنا كؤوس الموت أحيانا متنا غراماً وشوقاً في المسير لها * فمنذوا في نسيم القرب أَحْيَانًا تُوُفِّيَ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ.

شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ بُرْهَانُ الدِّينِ الْفَزَارِيُّ هُوَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ الْمَذْهَبِ وَعَلَمُهُ وَمُفِيدُ أَهْلِهِ، شَيْخُ الْإِسْلَامِ مُفْتِي الْفِرَقِ بَقِيَّةُ السَّلَفِ بُرْهَانُ الدِّينِ أبو إسحاق إبراهيم ابن الشيخ تَاجِ الدِّينِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ الشيخ الإمام المقري الْمُفْتِي بُرْهَانِ الدِّينِ أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سباع بن ضياء الفزاري المصري الشَّافِعِيُّ، وُلِدَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ وَاشْتَغَلَ عَلَى أَبِيهِ وَأَعَادَ

فِي حَلْقَتِهِ وَبَرَعَ وَسَادَ أَقْرَانَهُ، وَسَائِرَ أَهْلِ زمانه من أهل مذهبه في دارية الْمَذْهَبِ وَنَقْلِهِ وَتَحْرِيرِهِ، ثُمَّ كَانَ فِي مَنْصِبِ أَبِيهِ فِي التَّدْرِيسِ بِالْبَادَرَائِيَّةِ، وَأَشْغَلَ الطَّلَبَةَ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ فَانْتَفَعَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، وَقَدْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ الْمَنَاصِبُ الْكِبَارُ فَأَبَاهَا، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَاشَرَ الْخَطَابَةَ بَعْدَ عَمِّهِ الْعَلَّامَةِ شَرَفِ الدِّينِ مُدَّةً ثُمَّ تَرَكَهَا وَعَادَ إِلَى الْبَادَرَائِيَّةِ، وَعُرِضَ عَلَيْهِ قضاء قضاة الشام بعد ابن صصرى وألح نائب الشام عليه بِنَفْسِهِ وَأَعْوَانِهِ مِنَ الدَّوْلَةِ فَلَمْ يَقْبَلْ، وَصَمَّمَ وَامْتَنَعَ أَشَدَّ الِامْتِنَاعِ، وَكَانَ مُقْبِلًا عَلَى شَأْنِهِ عَارِفًا بِزَمَانِهِ مُسْتَغْرِقًا أَوْقَاتَهُ فِي الِاشْتِغَالِ وَالْعِبَادَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا، كَثِيرَ الْمُطَالَعَةِ وَإِسْمَاعِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ سَمَّعْنَا عَلَيْهِ صَحِيحَ مُسْلِمٍ وَغَيْرَهُ، وَكَانَ يُدَرِّسُ بالمدرسة المذكورة، وله تعليق كثير عَلَى التَّنْبِيهِ، فِيهِ مِنَ الْفَوَائِدِ مَا لَيْسَ يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ، وَلَهُ تَعْلِيقٌ عَلَى مُخْتَصَرِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ كِبَارٌ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ أَرَ شافعياً من مشايخنا مثله، وكان حَسَنَ الشَّكْلِ عَلَيْهِ الْبَهَاءُ وَالْجَلَالَةُ وَالْوَقَارُ، حَسَنَ الْأَخْلَاقِ، فِيهِ حِدَّةٌ ثُمَّ يَعُودُ قَرِيبًا، وَكَرَمُهُ زائد


(١) كذا بالاصل، العجز غير مستقيم الوزن.

<<  <  ج: ص:  >  >>