للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاحترق به دكان القفاعي الْكَبِيرَةَ الْمُزَخْرَفَةَ وَمَا حَوْلَهَا، وَاتَّسَعَ اتِّسَاعًا فَظِيعًا، وَاتَّصَلَ الْحَرِيقُ بِالْبَابِ الْأَصْفَرِ مِنَ النُّحَاسِ، فَبَادَرَ دِيوَانُ الْجَامِعِ إِلَيْهِ فَكَشَطُوا مَا عَلَيْهِ مِنَ النُّحَاسِ وَنَقَلُوهُ مِنْ يَوْمِهِ إِلَى خِزَانَةِ الْحَاصِلِ، بمقصورة الحلبية، بمشهد علي، ثم عدوا عليه يكسرون خشبه بالفؤوس الْحِدَادِ، وَالسَّوَاعِدِ الشِّدَادِ، وَإِذَا هُوَ مِنْ خَشَبِ الصَّنَوْبَرِ الَّذِي فِي غَايَةِ مَا يَكُونُ مِنَ الْقُوَّةِ وَالثَّبَاتِ، وَتَأَسَّفَ النَّاسُ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ كَانَ مِنْ مَحَاسِنِ الْبَلَدِ وَمَعَالِمِهِ.

وَلَهُ فِي الْوُجُودِ ما ينيف عن أربعة آلاف سنة.

انتهى والله أعلم.

تَرْجَمَةُ بَابِ جَيْرُونَ الْمَشْهُورِ بِدِمَشْقَ الَّذِي كَانَ هَلَاكُهُ وَذَهَابُهُ وَكَسْرُهُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، وَهُوَ باب سر في جَامِعِ دِمَشْقَ لَمْ يُرَ بَابٌ أَوْسَعُ وَلَا أَعْلَى مِنْهُ، فِيمَا يُعْرَفُ مِنَ الْأَبْنِيَةِ فِي الدنيا، وله علمان من نحاس أصفر بمسامير نُحَاسٍ أَصْفَرَ أَيْضًا بَارِزَةٍ، مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا، وَمَحَاسِنِ دِمَشْقَ وَمَعَالِمِهَا، وَقَدْ تَمَّ بِنَاؤُهَا.

وَقَدْ ذَكَرَتْهُ الْعَرَبُ فِي أَشْعَارِهَا وَالنَّاسُ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى مَلِكٍ يُقَالُ لَهُ جَيْرُونُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَادِ بْنِ عَوْصِ (١) بْنِ إِرَمَ بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ، وَهُوَ الَّذِي بَنَاهُ، وَكَانَ بِنَاؤُهُ لَهُ قَبْلَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، بَلْ قَبْلَ ثَمُودَ وَهُودٍ أَيْضًا، عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ وَغَيْرُهُ، وَكَانَ فَوْقَهُ حِصْنٌ عَظِيمٌ، وَقَصْرٌ مُنِيفٌ، وَيُقَالُ بَلْ هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى اسْمِ الْمَارِدِ الَّذِي بَنَاهُ لِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَ اسْمُ ذَلِكَ الْمَارِدِ جَيْرُونَ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ لِهَذَا الْبَابِ مِنَ الْمُدَدِ الْمُتَطَاوِلَةِ مَا يُقَارِبُ خَمْسَةَ آلَافِ سَنَةٍ، ثُمَّ كَانَ انْجِعَافُ هَذَا الْبَابِ لَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ بَلْ بِالْأَيْدِي العادية عليه، بسبب ما ناله من شوط حريق اتصل إليه حريق وقع من جَانِبِهِ فِي صَبِيحَةِ لَيْلَةِ الِاثْنَيْنِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ صَفَرٍ، سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ فَتَبَادَرَ ديوان الجامعية ففرقوا شمله وقضوا ثَمْلَهُ، وَعَرَّوْا جِلْدَهُ النُّحَاسَ عَنْ بَدَنِهِ الَّذِي هُوَ مِنْ خَشَبِ الصَّنَوْبَرِ، الَّذِي كَأَنَّ الصَّانِعَ قد فرغ منه يومئذ، وقد شاهدت الفؤوس تَعْمَلُ فِيهِ وَلَا تَكَادُ تُحِيلُ فِيهِ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ، فَسُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الَّذِينَ بَنَوْهُ أَوَّلًا، ثُمَّ قَدَّرَ أَهْلَ هَذَا الزَّمَانِ عَلَى أَنْ هدموه بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَدِ الْمُتَطَاوِلَةِ، وَالْأُمَمِ الْمُتَدَاوَلَةِ، وَلَكِنْ لكل أجل كتاب، وَلَا إِلَهَ إِلَّا رَبُّ الْعِبَادِ.

بَيَانُ تَقَدُّمِ مُدَّةِ هَذَا الْبَابِ وَزِيَادَتِهَا عَلَى مُدَّةِ أَرْبَعَةِ آلا ف سنة بل الْخَمْسَةَ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي أَوَّلِ تَارِيخِهِ: بَابُ بِنَاءِ دِمَشْقَ بِسَنَدِهِ عَنِ الْقَاضِي يحيى بن حمزة التبلهي الْحَاكِمِ بِهَا فِي الزَّمَنِ الْمُتَقَدِّمِ، وَقَدْ كَانَ هذا القاضي من تلاميذ ابن عمر والأوزاعي، قَالَ: لَمَّا فَتَحَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ دِمَشْقَ بَعْدَ حِصَارِهَا - يَعْنِي وَانْتَزَعَهَا مِنْ أَيْدِي بني أمية وسلبهم


(١) سقط في معجم البلدان.
في ذكره عامود نسبه (دمشق) .

<<  <  ج: ص:  >  >>