للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرحبة، وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ سِتٌّ وَسِتُّونَ سَنَةً، وَكَانَ مُدَّةَ مُقَامِهِ بِالْقُدْسِ مُدَرِّسًا بِالْمَدْرَسَةِ الصَّلَاحِيَّةِ وَشَيْخًا بِدَارِ الْحَدِيثِ السُّكَّرِيَّةِ ثَلَاثِينَ سَنَةً، وَقَدْ صَنَّفَ وَأَلَّفَ وَجَمَعَ وَخَرَّجَ، وَكَانَتْ لَهُ يَدٌ طُولَى

بمعرفة الْعَالِيَ وَالنَّازِلَ، وَتَخْرِيجِ الْأَجْزَاءِ وَالْفَوَائِدِ، وَلَهُ مُشَارَكَةٌ قَوِيَّةٌ فِي الْفِقْهِ وَاللُّغَةِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَالْأَدَبِ وَفِي كِتَابَتِهِ ضَعْفٌ لَكِنْ مَعَ صِحَّةٍ وَضَبْطٍ لِمَا يُشْكِلُ، وَلَهُ عِدَّةُ مُصَنَّفَاتٍ، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ وَقَفَهَا على الخانقاه السمساطية بدمشق، وقد ولى بعده التدريس بالصرخصية الْخَطِيبُ بُرْهَانُ الدِّينِ بْنُ جَمَاعَةَ وَالنَّظَرَ بِهَا، وَكَانَ مَعَهُ تَفْوِيضٌ مِنْهُ مُتَقَدِّمُ التَّارِيخِ.

وَفِي يَوْمِ الْخَمِيسِ السَّادِسِ مِنْ مُحَرَّمٍ احْتِيطَ عَلَى متولي البر ابن بهادر الشيرجي وَرُسِمَ عَلَيْهِ بِالْعَذْرَاوِيَّةِ بِسَبَبِ أَنَّهُ اتُّهِمَ بِأَخْذِ مطلب من نعمان البلقاء هو وكحلن الْحَاجِبُ، وَقَاضِي حَسَّانَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ مُرَافَعَةٌ مِنْ خَصْمٍ عَدُوٍّ لَهُمْ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ هَذَا شَيْءٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ثُمَّ ظُهِرَ عَلَى رَجُلٍ يُزَوِّرُ الْمَرَاسِيمَ الشَّرِيفَةَ وَأُخِذَ بِسَبَبِهِ مُدَرِّسُ الصَّارِمِيَّةِ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ فِي الْمَدْرَسَةِ المذكرة، وَضُرِبَ بَيْنَ يَدَيْ مَلِكِ الْأُمَرَاءِ، وَكَذَلِكَ عَلَى الشَّيْخِ زَيْنِ الدِّينِ زَيْدٍ الْمَغْرِبِيِّ الشَّافِعِيِّ، وَذُكِرَ عنه أنه يطلب مرسوماً لمدرسة الأكرية، وَضُرِبَ أَيْضًا وَرُسِمَ عَلَيْهِ فِي حَبْسِ السَّدِّ، وَكَذَلِكَ حُبِسَ الْأَمِيرُ شِهَابُ الدِّين الَّذِي كَانَ مُتَوَلِّيَ الْبَلَدِ، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ كَتَبَ لَهُ مرسوماً شريفاً بِالْوِلَايَةِ، فَلَمَّا فَهِمَ ذَلِكَ كَاتِبُ السِّرِّ أَطْلَعَ عَلَيْهِ نَائِبَ السَّلْطَنَةِ فَانْفَتَحَ عَلَيْهِ الْبَابُ وَحُبِسُوا كُلُّهُمْ بِالسَّدِّ، وَجَاءَتْ كُتُبُ؟ الْحُجَّاجِ لَيْلَةَ السَّبْتِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَأَخْبَرَتْ بِالْخِصْبِ وَالرُّخْصِ وَالْأَمْنِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.

وَدَخَلَ الْمَحْمَلُ بَعْدَ المغرب ليلة السبت الحادي وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ، ثُمَّ دَخَلَ الْحَجِيجُ بَعْدَهُ فِي الطين والرمض (١) (*) وَقَدْ لَقُوا مِنْ ذَلِكَ مِنْ بِلَادِ حَوْرَانَ عَنَاءً وَشِدَّةً، وَوَقَعَتْ جِمَالَاتٌ كَثِيرَةٌ وَسُبِيَتْ نِسَاءٌ كَثِيرَةٌ، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَحَصَلَ للناس تَعَبٌ شَدِيدٌ.

وَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ قُطِعَتْ يَدُ الَّذِي زَوَّرَ الْمَرَاسِيمَ وَاسْمُهُ السَّرَّاجُ عُمَرُ الْقِفْطِيُّ الْمِصْرِيُّ، وَهُوَ شَابٌّ كَاتِبٌ مطيق عَلَى مَا ذُكِرَ، وَحُمِلَ فِي قَفَصٍ عَلَى جَمَلٍ وَهُوَ مَقْطُوعُ الْيَدِ، وَلَمْ يُحْسَمْ بَعْدُ وَالدَّمُ يَنْصَبُّ مِنْهَا، وَأُرْكِبَ مَعَهُ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ زِيدٌ عَلَى جَمَلٍ وَهُوَ مَنْكُوسٌ وَجْهُهُ إِلَى نَاحِيَةِ دُبُرِ الْجَمَلِ، وَهُوَ عُرْيَانُ مَكْشُوفُ الرأس، وكذلك البدر الخصمي عَلَى جَمَلٍ آخَرَ، وَأُرْكِبَ الْوَالِي شِهَابُ الدِّينِ على جمل آخر وعلى تَخْفِيفَةٌ صَغِيرَةٌ، وَخُفٌّ وَقَبَاءٌ، وَطِيفَ بِهِمْ فِي مَحَالِّ الْبَلَدِ، وَنُودِيَ عَلَيْهِمْ: هَذَا جَزَاءُ مَنْ يُزَوِّرُ عَلَى السُّلْطَانِ، ثُمَّ أُوْدِعُوا حَبْسَ الْبَابِ الصَّغِيرِ وَكَانُوا قَبْلَ هَذَا التَّعْزِيرِ فِي حَبْسِ السُّدِّ،

وَمِنْهُ أُخِذُوا وَأُشْهِرُوا، فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إليه راجعون انتهى.


(١) الرمض: الرمض شدة الحر، والرمض.
حر الحجارة من شدة الشمس.
والرمضي من السحاب والمطر ما كان في آخر القيظ وأول الخريف، وسمي المطر رمضيا لانه يدرك سخونة الشمس وحرها.
والرمض: المطر يأتي قبل الخريف فيجد الارض حارة محترقة (لسان العرب) .

<<  <  ج: ص:  >  >>