للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ طَعَامِي، قَالُوا: يَا بَحِيرَى مَا تَخَلَّفَ أَحَدٌ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْتِيَكَ إِلَّا غُلَامٌ، وَهُوَ أَحْدَثُنَا سِنًّا فَتَخَلَّفَ فِي رِحَالِنَا.

قَالَ لَا تَفْعَلُوا، ادْعُوهُ فَلْيَحْضُرْ هَذَا الطَّعَامَ مَعَكُمْ.

قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَعَ الْقَوْمِ: واللات والعزى، إن كان للؤم بِنَا أَنْ يَتَخَلَّفَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنْ

طَعَامٍ مِنْ بَيْنِنَا.

ثم قال إِلَيْهِ فَاحْتَضَنَهُ (١) وَأَجْلَسَهُ مَعَ الْقَوْمِ، فَلَمَّا رَأَى (٢) بَحِيرَى جَعَلَ يَلْحَظُهُ لَحْظًا شَدِيدًا وَيَنْظُرُ إِلَى أَشْيَاءَ مِنْ جَسَدِهِ، قَدْ كَانَ يَجِدُهَا عِنْدَهُ مِنْ صِفَتِهِ، حتَّى إِذَا فَرَغَ الْقَوْمُ مِنْ طَعَامِهِمْ وَتَفَرَّقُوا قَامَ إِلَيْهِ بَحِيرَى وَقَالَ لَهُ يَا غُلَامُ: أَسْأَلُكَ بِحَقِّ اللَّاتِ وَالْعُزَّى إِلَّا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ.

وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ بَحِيرَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ سَمِعَ قَوْمَهُ يَحْلِفُونَ بِهِمَا (٣) فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: لَا تَسْأَلْنِي بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى شيئاً.

فَوَاللَّهِ مَا أَبْغَضْتُ شَيْئًا قَطُّ بُغْضَهُمَا.

فَقَالَ لَهُ بَحِيرَى: فَبِاللَّهِ إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ؟ فَقَالَ لَهُ سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ.

فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ حَالِهِ مِنْ نَوْمِهِ وَهَيْئَتِهِ وَأُمُورِهِ.

فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ.

فَوَافَقَ ذَلِكَ مَا عِنْدَ بَحِيرَى مَنْ صِفَتِهِ.

ثُمَّ نَظَرَ إِلَى ظَهْرِهِ فَرَأَى خَاتَمَ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مَوْضِعِهِ مَنْ صِفَتِهِ الَّتِي عِنْدَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ أقبل على عمِّه أبي طالب، فقال [له] مَا هَذَا الْغُلَامُ مِنْكَ؟ قَالَ: ابْنِي قَالَ بَحِيرَى مَا هُوَ بِابْنِكَ وَمَا يَنْبَغِي لِهَذَا الْغُلَامِ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا، قَالَ: فَإِنَّهُ ابْنُ أَخِي.

قَالَ فَمَا فَعَلَ أَبُوهُ؟ قَالَ مَاتَ وَأَمُّهُ حُبْلَى بِهِ، قَالَ صَدَقْتَ ارْجِعْ بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه اليهود.

فَوَاللَّهِ لَئِنْ رَأَوْهُ وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا عَرَفْتُ لِيَبْغُنَّهُ شَرًّا، فَإِنَّهُ كَائِنٌ لِابْنِ أَخِيكَ هَذَا شَأْنٌ عَظِيمٌ فَأَسْرِعْ بِهِ إِلَى بِلَادِهِ، فَخَرَجَ بِهِ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ سَرِيعًا حَتَّى أَقْدَمَهُ مَكَّةَ حِينَ فَرَغَ مِنْ تِجَارَتِهِ بِالشَّامِ (٤) .

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَزَعَمُوا فِيمَا رَوَى النَّاسُ أَنَّ زريراً، وثماماً، ودريسماً (٥) - وَهُمْ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ - قَدْ كَانُوا رأوا [مِنْ] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَمَا رَأَى بَحِيرَى فِي ذَلِكَ السَّفَرِ الَّذِي كَانَ فِيهِ مَعَ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ فَأَرَادُوهُ فَرَدَّهُمْ عَنْهُ بَحِيرَى.

فَذَكَّرَهُمُ اللَّهَ وَمَا يَجِدُونَ فِي الْكِتَابِ مِنْ ذِكْرِهِ وَصَفَتِهِ وَأَنَّهُمْ [إِنْ] أَجْمَعُوا لِمَا أَرَادُوا بِهِ لَمْ يَخْلُصُوا إِلَيْهِ، حَتَّى عَرَفُوا مَا قَالَ لَهُمْ، وَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ، فَتَرَكُوهُ وَانْصَرَفُوا عَنْهُ.

وَقَدْ ذَكَرَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ قَالَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَ قَصَائِدَ هَكَذَا ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ هَذَا السِّيَاقَ مِنْ غَيْرِ إِسْنَادٍ مِنْهُ.

وَقَدْ وَرَدَ نَحْوَهُ مِنْ طَرِيقٍ مُسْنَدٍ مَرْفُوعٍ.

فَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَرَائِطِيُّ حدَّثنا عبَّاس بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ حَدَّثَنَا قُرَادٌ أبو نوح حدثنا


(١) احتضنه: هنا: أي اجلسه إلى جنبه.
(٢) فلما رآه عن ابن إسحاق.
(٣) يقال إنه سأله بالات والعزى اختبارا، ولعل هذا مناسب أكثر.
(٥) في ابن هشام: زريرا وتماما ودريسا.
وفي الدلائل للبيهقي: زبيرا وثماما ودريسا.
(٤) قال أبو عمر بن عبد البر كانت رحلة أبي طالب ثلاث عشرة من الفيل.
وقال أبوالحس الماوردي خرج به عمه أبو طالب في تجارة وهو ابن تسع سنين.
وذكر ابن سعد بإسناد له عن داود بن الحصين أنه كان ابن اثنتي عشرة سنة.
[*]

<<  <  ج: ص:  >  >>