للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: ٩٠] وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، [قال] : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ - أَوْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ اجْتَمَعَ وَنَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَكَانَ ذَا سِنٍّ فِيهِمْ، وَقَدْ حَضَرَ الْمَوْسِمُ (١) فَقَالَ: إِنَّ وُفُودَ الْعَرَبِ سَتَقْدَمُ عَلَيْكُمْ فِيهِ وَقَدْ سَمِعُوا بِأَمْرِ صَاحِبِكُمْ هَذَا فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا وَاحِدًا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَيُكَذِّبُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَيَرُدُّ قَوْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا.

فَقِيلَ: يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ، فَقُلْ، وَأَقِمْ لَنَا رَأَيَا نَقُومُ بِهِ (٢) ، فَقَالَ: بَلْ أَنْتُمْ فَقُولُوا وَأَنَا أَسْمَعُ.

فَقَالُوا نَقُولُ كَاهِنٌ؟ فَقَالَ مَا هُوَ بكاهن رَأَيْتُ الْكُهَّانَ.

فَمَا هُوَ بِزَمْزَمَةِ الْكُهَّانِ.

فَقَالُوا نَقُولُ مَجْنُونٌ؟ فَقَالَ مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ وَلَقَدْ رأينا الجنون وعرفناه فما هو بحنقه ولا تخالجه ولا وسوسته.

فقالوا (٣) نَقُولُ شَاعِرٌ؟ فَقَالَ مَا هُوَ بِشَاعِرٍ قَدْ عَرَفْنَا الشِّعْرَ: بِرَجَزِهِ وَهَزَجِهِ، وَقَرِيضِهِ وَمَقْبُوضِهِ، وَمَبْسُوطِهِ فَمَا هُوَ بِالشِّعْرِ.

قَالُوا فَنَقُولُ هُوَ سَاحِرٌ؟ قَالَ مَا هُوَ بِسَاحِرٍ قَدْ رَأَيْنَا السُّحَّارَ وَسِحْرَهُمْ فَمَا هُوَ بِنَفْثِهِ وَلَا بِعَقْدِهِ.

قَالُوا: فَمَا نَقُولُ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ؟ قَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ لَحَلَاوَةً، وَإِنَّ أَصْلَهُ لَمُغْدِقٌ، وَإِنَّ فَرْعَهُ لَجَنًى فَمَا أَنْتُمْ بِقَائِلِينَ مِنْ هَذَا شَيْئًا إِلَّا عُرِفَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِنَّ أقرب القول لأن تقولوا هذا سَاحِرٌ، فَتَقُولُوا هُوَ سَاحِرٌ يفرِّق بَيْنَ الْمَرْءِ ودينه، وبين الْمَرْءِ وَأَبِيهِ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجَتِهِ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَأَخِيهِ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَعَشِيرَتِهِ فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ بِذَلِكَ، فَجَعَلُوا يَجْلِسُونَ لِلنَّاسِ حَتَّى قَدِمُوا الْمَوْسِمَ لَا يَمُرُّ بِهِمْ أَحَدٌ إِلَّا حَذَّرُوهُ إِيَّاهُ، وَذَكَرُوا لهم أمره وأنزل الله في الوليد: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُودًا) [المدثر: ١١ - ١٣] الْآيَاتِ وَفِي أُولَئِكَ النفر (الَّذِينَ جَعَلُوا القرآن عضين، فو ربك لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (٤) [الْحِجْرِ: ٩١ - ٩٣] .

قُلْتُ: وَفِي ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ جَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ عَقْلِهِمْ: (بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فليئتنا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) [الأنبياء: ٥] فَحَارُوا مَاذَا يقولون فيه فكل شئ يَقُولُونَهُ بَاطِلٌ، لِأَنَّ مَنْ خَرَجَ عَنِ الْحَقِّ مَهْمَا قَالَهُ أَخْطَأَ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً) [الاسراء: ٤٨] .

وَقَالَ الْإِمَامُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عن الأجلح - وهو ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكِنْدِيُّ - عَنِ الذَّيَّالِ بْنِ حَرْمَلَةَ الْأَسَدِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.

قال: اجتمع قريش يوماً فقالوا أنظروا


= وقال البيهقي: وكذلك رواه معمر عن عباد بن منصور عن عكرمة مرسلاً، ورواه أيضا معتمر بن سليمان عن أبيه فذكره أتم من ذلك مرسلا.
(١) من البيهقي، وفي نسخة البداية المطبوعة: المواسم وهو تحريف.
(٢) في ابن هشام: نقول به بدل نقوم به.
(٣) من البيهقي، وفي نسخ البداية المطبوعة: فقال وهو تحريف.
(٤) عضين: أي أصنافا.
والخبر رواه البيهقي في الدلائل ج ٢ / ١٩٨ وما بعدها (*) .

<<  <  ج: ص:  >  >>