للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحاكمة، فإن الشعر هو وثيقة الشعب والمجتمع بأكمله, على أن الشعر الجاهلي تعرض لقضية ينبغي أن نتوقف عندها لأنها تمسه من الأساس وتتعرض لقيمته كمصدر لمعرفة أحوال شبه الجزيرة العربية في الفترة السابقة للإسلام. فقد أثار بعض الباحثين اعتراضًا مؤداه أن أغلب هذا الشعر، إن لم يكن كله، لا ينتمي إلى العصر الجاهلي بحال، وإنما هو موضوع أو منحول، نحله الرواة في القرنين الثاني والثالث الهجريَّيْنِ ثم نسبوه إلى الشعراء الجاهليين، وقد دار حول هذه القضية جدل طويل، أخذًا وردًّا، امتد على القسم الأكبر من النصف الأول للقرن الحالي، وكان أول من أثار الاعتراض منذ أوائل القرن هو المستشرق د. س. مارجوليوث D. S. Margoliouth.

والدعوى التي يقدمها مارجوليوث هي أن الشعر بالصورة التي عرفها العرب بعد ظهور الإسلام لم يكن معروفًا في الجاهلية، وحقيقة إن أشخاصا وجدوا في الجاهلية وأطلق عليهم اسم "الشعراء" وقد جاءت في القرآن الكريم سورة كاملة بهذا الاسم، ولكن الإشارات القرآنية إلى هذه الفئة تفيد أن هؤلاء كانوا فئة من الكهان يتنبئون بالغيب ويعبِّرون عن ذلك بألفاظ مبهمة، ومن ثم يصبح المقصود بالشعر هو هذه الصفة أو المهنة الدينية وليس الموهبة أو الصنعة الفنية التي تدخل ضمن أبواب الأدب. ويقدم المستشرق لتأكيد دعواه هذه مجموعتين من الأدلة٤.


٤ عرض هذه الآراء في مقالة Margoliouth: The Origins of Arabic Poetry, JRAS, July, ١٩٢٥، صفحات ٤١٧-٤٤٩. الإشارة إلى اقتران الكهانة بالشعر في العصر الجاهلي في صفحات ٤١٧-٤٢٠ من المقالة, الإشارة القرآنية إلى اقتران الشعر بالكهانة وإبهام القول الذي يعادل الجنون في سورة الطور: ٢٩-٣٠، سورة الصافات: ٣٦، سورة الحاقة: س ٤٠-٤٢. راجع عرضا بالعربية لآراء المستشرق عند، ناصر الدين الأسد: مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية، القاهرة، ١٩٥٦، صفحات ٣٥٢-٣٦٧.

<<  <   >  >>