للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موصدة يعالجون القمل وتشدهم إلى الأرض قيود لا يملكون معها فكاكًا٦.

وربما كان أحد الأسباب الكامنة وراء هذا التصور هو أن الزراعة -وبخاصة زراعة الحبوب- دخلت بعض أقسام شبه الجزيرة العربية من مناطق أخرى، ومن ثم اعتبرت مهنة دخيلة بينما ظل الرعي دائما هو المورد الأساسي والعمل به هو المهنة الأصيلة. ونحن نجد في الواقع ما قد يؤيد مثل هذا التصور في وجود بعض ألفاظ عربية من أصل آرامي في مجال الزراعة؛ فلفظة "حارث" العربية مأخوذة من "آرس" الآرامية، و"بيدر" مأخوذة من "إدّر" و"أكّار" وهو العامل الذي يعمل في الحقل هي ذاتها اللفظة الآرامية، ولفظة "نير" مأخوذة من "نيدرا"، ولفظة "ناطور" وهو الحارس الذي يحرس الكروم هو "ناطورا" في الآرامية، ولفظة "قمح" مأخوذة من "قمحنو"، هذا بينما ريّ "البعل" في العربية هو الري الذي يعتمد على ماء المطر "الذي يرسله بعل، إله الآراميين"٧.

ولكننا إذا تتبعنا هذا التصور نجد أنه كان في حقيقة الأمر قاصرًا على البدو وحدهم وأن الزراع لم يكونوا يعتنقون هذا التصور. وفي هذا الصدد فنحن نجد بين النصوص العربية الجنوبية القديمة التي عثر عليها المنقبون الأثريون


٦ أبيات الأعشى في ازدراء الزراعة هي:
لسنا كمن جعلت إياد دارها ... تكريت تنظر حبها أن يحصدا
قومًا يعالج قُمَّلًا أبناؤهم ... وسلاسلًا أُجُدًا وبابًا موصدا
ثم يستمر ليذكر أن الغزو والغارات أكرم كوسيلة للحياة, فيقول:
جعل الإله طعامنا في مالنا ... رزقًا تضمَّنه لنا لن ينفَدَا
مثل الهضاب جزَارة لسيوفنا ... فإذا تُراع فإنها لن تطردا
راجع: ديوان الأعشى الكبير، تحقيق محمد حسين، بيروت، ١٩٦٨، ص٣٤.
٧ عن الأصل الآرامي لري البعل راجع HITTI: ذاته، ص٢٠. عن أصل لفظة قمح، جواد علي: ذاته، ج٧، ص٥٨. عن أصل الكلمات الباقية راجع: Ign, guidi: Larabie anteislamique "paris, ١٩٢١" ص٥٠.

<<  <   >  >>