للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دليل على هذا هو الأماكن الحديثة التي تفصل بين القوميات المختلفة حيث نجد الاختلاط وتشابك المصالح يؤدي إلى ازدواج لغوي في أغلب الأحيان. كذلك فهناك أمثلة واضحة على شعوب غيرت لغتها كليًّا أو جزئيًّا في مراحل مختلفة من تاريخها. فالقسم الجنوبي من العراق كانت لغته في الفترة المبكرة من تاريخه القديم, وهي اللغة السومرية، لغة غير سامية، بل تختلف عن اللغة السامية اختلافًا كليا سواء في ألفاظها وفي تصريفات هذه الألفاظ أو تركيباتها. ومع ذلك فقد تحول هؤلاء السكان تدريجيا لكي تصبح اللغة الأكدية, وهي لغة سامية، هي لغتهم في كل جانب من جوانب حياتهم الفردية والجماعية. ومصر التي تتحدث العربية الآن لم تكن تتخذها لغة لها في العصور القديمة, واختلاط بعض القبائل العربية بالمصريين الآن -لم تكن في أعقاب الفتوح العربية- لم يكن إلا بقدر ضئيل لا يصلح وحده سببا لهذا التغيير الكلي في لغتها وإنما يجب أن نبحث عن هذا السبب في مجالات أخرى غير المجال العنصري. واللغة الإنجليزية في إنجلترا حاليا يرجع القسم الأغلب منها إلى أصول لاتينية أو يونانية أو جرمانية، فإذا رددنا الأثر الجرماني فيها إلى غزو القبائل الأنجلوسكسونية "وهي قبائل جرمانية" ومن ثم إلى تأثير عنصري, فيبقى أمامنا الأثر اللاتيني واليوناني الذي لا يمكن أن نرجعه إلى هذا التأثير العنصري. كذلك فإن اتخاذ بعض الشعوب إحدى اللغات لغة لها قد يعود إلى عامل الهجرة لسبب أو لآخر فحسب. ومثلنا على ذلك اليونان الذين يقطنون أماكن مختلفة من العالم, من بينها أماكن في العالم العربي نفسه ومثل المهاجرين اللبنانيين في مهاجرهم بالأمريكتين. ومعروف أن كلًّا من هاتين الفئتين يتكلم لغات المناطق التي هاجروا إليها, بل ولهجاتها، كلغة تعامل في حياتهم اليومية, بدرجة تصل إلى الإجادة بل إلى الطلاقة في أكثر الأحوال. وليكن مثلنا الأخير هو الولايات المتحدة التي اتخذ أبناؤها اللغة الإنجليزية لسانًا لهم رغم ما بينهم من اختلاف يصل إلى درجة التنميط، سواء في الأصل أو في الملامح الجسمانية أو في المناطق التي هاجروا منها أساسًا.

<<  <   >  >>