للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّ مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ حَرُمَ اتِّخَاذُهُ عَلَى هَيْئَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَالْمَلَاهِي، وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِيَ لِلتَّحْرِيمِ يَعُمُّهَا، وَهُوَ الْإِفْضَاءُ إلَى السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ، وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، فَيَسْتَوِيَانِ فِي التَّحْرِيمِ، وَإِنَّمَا أُحِلَّ لِلنِّسَاءِ التَّحَلِّي لِحَاجَتِهِنَّ إلَيْهِ لِلتَّزَيُّنِ لِلْأَزْوَاجِ، وَلَيْسَ هَذَا بِمَوْجُودٍ فِي الْآنِيَةِ، فَيَبْقَى عَلَى التَّحْرِيمِ.

إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ فِيهَا الزَّكَاةَ، بِغَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَا زَكَاةَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ نِصَابًا بِالْوَزْنِ، أَوْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا بِضَمِّهَا إلَيْهِ. وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ لِصِنَاعَتِهِ، فَلَا عِبْرَةَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ فَلَا قِيمَةَ لَهَا فِي الشَّرْعِ، وَلَهُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهَا قَدْرَ رُبْعِ عُشْرِهَا بِقِيمَتِهِ غَيْرَ مَصُوغٍ. وَإِنْ أَحَبَّ كَسْرَهَا، أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِهَا مَكْسُورًا، وَإِنْ أَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِهَا مَصُوغًا، جَازَ؛ لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ لَمْ تَنْقُصْهَا عَنْ قِيمَةِ الْمَكْسُورِ.

وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ وَجْهًا فِي اعْتِبَارِ قِيمَتِهَا. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[فَصْلُ كُلُّ مَا كَانَ اتِّخَاذُهُ مُحَرَّمًا مِنْ الْأَثْمَانِ لَمْ تَسْقُطْ زَكَاتُهُ بِاِتِّخَاذِهِ]

(١٨٩٥) فَصْلٌ: وَكُلُّ مَا كَانَ اتِّخَاذُهُ مُحَرَّمًا مِنْ الْأَثْمَانِ، لَمْ تَسْقُطْ زَكَاتُهُ بِاِتِّخَاذِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهَا، لِكَوْنِهَا مَخْلُوقَةً لِلتِّجَارَةِ، وَالتَّوَسُّلِ بِهَا إلَى غَيْرِهَا، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ، فَبَقِيَتْ عَلَى أَصْلِهَا.

قَالَ أَحْمَدُ: مَا كَانَ عَلَى سَرْجٍ أَوْ لِجَامٍ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ. وَنَصَّ عَلَى حِلْيَةِ الثُّفْرِ وَالرِّكَابِ وَاللِّجَامِ، أَنَّهُ مُحَرَّمٌ. وَقَالَ، فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ: أَكْرَهُ رَأْسَ الْمُكْحُلَةِ فِضَّةً. ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا شَيْءٌ تَأَوَّلْته. وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ، حِلْيَةُ الدَّوَاةِ، وَالْمِقْلَمَةِ، وَالسَّرْجِ، وَنَحْوِهِ مِمَّا عَلَى الدَّابَّةِ. وَلَوْ مَوَّهَ سَقْفَهُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَفِيهِ الزَّكَاةُ.

وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يُبَاحُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْمُبَاحِ، فَيَتْبَعُهُ فِي الْإِبَاحَةِ. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا إسْرَافٌ، وَيُفْضِي فِعْلُهُ إلَى الْخُيَلَاءِ، وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، فَحَرُمَ، كَاِتِّخَاذِ الْآنِيَةِ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّخَتُّمِ بِخَاتَمِ الذَّهَبِ لِلرَّجُلِ، فَتَمْوِيهُ السَّقْفِ أَوْلَى.

وَإِنْ صَارَ التَّمْوِيهُ الَّذِي فِي السَّقْفِ مُسْتَهْلَكًا لَا يَجْتَمِعُ مِنْهُ شَيْءٌ، لَمْ تَحْرُمْ اسْتِدَامَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إتْلَافِهِ وَإِزَالَتِهِ، وَلَا زَكَاةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَالِيَّتَهُ ذَهَبَتْ وَإِنْ لَمْ تَذْهَبْ مَالِيَّتُهُ، وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَهْلَكًا، حَرُمَتْ اسْتَدَامَتْهُ. وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا وَلِي، أَرَادَ جَمْعَ مَا فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ مِمَّا مُوِّهَ بِهِ مِنْ الذَّهَبِ، فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مِنْهُ شَيْءٌ. فَتَرَكَهُ. وَلَا يَجُوزُ تَحْلِيَةُ الْمَصَاحِفِ وَلَا الْمَحَارِيبِ، وَلَا اتِّخَاذَ قَنَادِيلَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْآنِيَةِ.

وَإِنْ وَقَفَهَا عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ نَحْوِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبِرٍّ وَلَا مَعْرُوفٍ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الصَّدَقَةِ، فَيُكْسَرُ وَيُصْرَفُ فِي مَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ وَعِمَارَتِهِ. وَكَذَلِكَ إنَّ حَبَسَ الرَّجُلُ فَرَسًا لَهُ لِجَامٌ مُفَضَّضٌ. وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ: فِي الرَّجُلِ يَقِفُ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَعَهُ لِجَامٌ مُفَضَّضٌ: فَهُوَ عَلَى مَا وَقَفَهُ، وَإِنْ بِيعَتْ الْفِضَّةُ مِنْ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَجُعِلَتْ فِي وَقْفِ مِثْلِهِ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا، وَلَعَلَّهُ يَشْتَرِي بِذَلِكَ سَرْجًا وَلِجَامًا، فَيَكُونُ أَنْفَعَ لِلْمُسْلِمِينَ. قِيلَ: فَتُبَاعُ الْفِضَّةُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>