للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ صَارَ إلَى مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُعْلَمْ زَوَالُهُ عَنْ مِلْكِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَشْبَهَ مَا عَلَى جَمِيعِهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ.

[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي مَوْضِعِ الرِّكَازِ وَلَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ]

(١٩٠٠) الْفَصْلُ الثَّانِي، فِي مَوْضِعِهِ، وَلَا يَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا، أَنْ يَجِدَهُ فِي مَوَاتٍ، أَوْ مَا لَا يُعْلَمُ لَهُ مَالِكٌ، مِثْلُ الْأَرْضِ الَّتِي يُوجَدُ فِيهَا آثَارُ الْمُلْكِ، كَالْأَبْنِيَةِ الْقَدِيمَةِ، وَالتُّلُولِ، وَجُدْرَانِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقُبُورِهِمْ. فَهَذَا فِيهِ الْخُمْسُ بِغَيْرِ خِلَافٍ، سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ. وَلَوْ وَجَدَهُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ عَلَى وَجْهِهَا، أَوْ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ مَسْلُوكٍ، أَوْ قَرْيَةٍ خَرَابٍ، فَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللُّقَطَةِ؟ فَقَالَ: مَا كَانَ فِي طَرِيقٍ مَأْتِيٍّ، أَوْ فِي قَرْيَةٍ عَامِرَةٍ، فَعَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا فَلَكَ، وَمَا لَمْ يَكُنْ فِي طَرِيقٍ مَأْتِيٍّ، وَلَا فِي قَرْيَةٍ عَامِرَةٍ، فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ. الْقِسْمُ الثَّانِي، أَنْ يَجِدَهُ فِي مِلْكِهِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ، فَهُوَ لَهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَالُ كَافِرٍ مَظْهُورٌ عَلَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ، فَكَانَ لِمَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ كَالْغَنَائِمِ، وَلِأَنَّ الرِّكَازَ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَرْضِ، لِأَنَّهُ مُودَعٌ فِيهَا، وَإِنَّمَا يُمْلَكُ بِالظُّهُورِ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَدْ ظَهَرَ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكَهُ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، هُوَ لِلْمَالِكِ قَبْلَهُ إنْ اعْتَرَفَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ فَهُوَ لِلَّذِي قَبْلَهُ كَذَلِكَ إلَى أَوَّلِ مَالِكٍ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ كَانَتْ يَدُهُ عَلَى الدَّارِ، فَكَانَتْ عَلَى مَا فِيهَا.

وَإِنْ انْتَقَلَتْ الدَّارُ بِالْمِيرَاثِ، حُكِمَ بِأَنَّهُ مِيرَاثٌ، فَإِنْ اتَّفَقَ الْوَرَثَةُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِمَوْرُوثِهِمْ، فَهُوَ لِأَوَّلِ مَالِكٍ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ أَوَّلُ مَالِكٍ، فَهُوَ كَالْمَالِ الضَّائِعِ الَّذِي لَا يُعْرَفْ لَهُ مَالِكٌ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الرِّكَازَ لَا يُمْلَكُ بِمِلْكِ الدَّارِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهَا وَإِنَّمَا هُوَ مُودَعٌ فِيهَا، فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْمُبَاحَاتِ مِنْ الْحَشِيشِ وَالْحَطَبِ وَالصَّيْدِ يَجِدُهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، فَيَأْخُذُهُ، فَيَكُونُ أَحَقَّ بِهِ، لَكِنْ إنْ ادَّعَى الْمَالِكُ الَّذِي انْتَقَلَ الْمِلْكُ عَنْهُ أَنَّهُ لَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَانَتْ عَلَيْهِ، لِكَوْنِهَا عَلَى مَحِلِّهِ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ، فَهُوَ لِوَاجِدِهِ.

وَإِنْ اخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ، فَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ لِمُوَرِّثِهِمْ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ الْبَاقُونَ، فَحُكْمُ مَنْ أَنْكَرَ فِي نَصِيبِهِ حُكْمُ الْمَالِكِ الَّذِي لَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ، وَحُكْمُ الْمُعْتَرِفِينَ حُكْمُ الْمَالِكِ الْمُعْتَرِفِ. الْقِسْمُ الثَّالِثُ، أَنْ يَجِدَهُ فِي مِلْكِ آدَمِيٍّ مُسْلِمٍ مَعْصُومٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، فَعَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِصَاحِبِ الدَّارِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ، فِي مَنْ اسْتَأْجَرَ حَفَّارًا لِيَحْفِرَ فِي دَارِهِ، فَأَصَابَ فِي الدَّارِ كَنْزًا عَادِيًّا: فَهُوَ لِصَاحِبِ الدَّارِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ.

وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِوَاجِدِهِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَحْفِرَ لَهُ فِي دَارِهِ، فَأَصَابَ فِي الدَّارِ كَنْزًا: فَهُوَ لِلْأَجِيرِ. نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكَحَّالُ. قَالَ الْقَاضِي هُوَ الصَّحِيحُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرِّكَازَ لِوَاجِدِهِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>