للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ التَّقْوِيمَ يَسْبِقُ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ، فَعُفِيَ عَنْهُ إلَّا فِي آخِرِهِ، فَصَارَ الِاعْتِبَارُ بِهِ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ تُعْرَفَ قِيمَتُهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، لِيَعْلَمَ أَنَّ قِيمَتَهُ فِيهِ تَبْلُغُ نِصَابًا وَذَلِكَ يَشُقُّ. وَلَنَا، أَنَّهُ مَالٌ يُعْتَبَرُ لَهُ الْحَوْلُ وَالنِّصَابُ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُ كَمَالِ النِّصَابِ فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الَّتِي يُعْتَبَرُ لَهَا ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُمْ: يَشُقُّ التَّقْوِيمُ لَا يَصِحُّ. فَإِنَّ غَيْرَ الْمُقَارِبِ لِلنِّصَابِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْوِيمٍ، لِظُهُورِ مَعْرِفَتِهِ، وَالْمُقَارِبُ لِلنِّصَابِ إنْ سَهُلَ عَلَيْهِ التَّقْوِيمُ، وَإِلَّا فَلَهُ الْأَدَاءُ. وَالْأَخْذُ بِالِاحْتِيَاطِ، كَالْمُسْتَفَادِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ إنَّ سَهُلَ عَلَيْهِ ضَبْطُ مَوَاقِيتِ التَّمَلُّكِ، وَإِلَّا فَلَهُ تَعْجِيلُ زَكَاتِهِ مَعَ الْأَصْلِ.

[فَصْلُ مَلَكَ نُصُبًا لِلتِّجَارَةِ فِي أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ]

(١٩١٩) فَصْلٌ: وَإِذَا مَلَكَ نُصُبًا لِلتِّجَارَةِ فِي أَوْقَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ، لَمْ يَضُمَّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ؛ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّ الْمُسْتَفَادَ لَا يُضَمُّ إلَى مَا عِنْدَهُ فِي الْحَوْلِ. وَإِنْ كَانَ الْعَرْضُ الْأَوَّلُ لَيْسَ بِنِصَابٍ وَكَمَلَ بِالثَّانِي نِصَابًا، فَحَوْلُهُمَا مِنْ حِينِ مَلَكَ الثَّانِي، وَنَمَاؤُهُمَا تَابِعٌ لَهُمَا، وَلَا يُضَمُّ الثَّالِثُ إلَيْهِمَا، بَلْ ابْتِدَاءُ الْحَوْلِ مِنْ حِينِ مَلَكَهُ وَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَ دُونَ النِّصَابِ؛ لِأَنَّ قَبْلَهُ نِصَابًا، وَلِهَذَا يُخْرِجُ عَنْهُ بِالْحِصَّةِ، وَنَمَاؤُهُ تَابِعٌ لَهُ

[مَسْأَلَةُ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْعُرُوضِ وَقِيمَتُهَا بِالْفِضَّةِ نِصَابٌ وَلَا تَبْلُغُ نِصَابًا بِالذَّهَبِ]

(١٩٢٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَتُقَوَّمُ السِّلَعُ إذَا حَالَ الْحَوْلُ بِالْأَحُظِّ لِلْمَسَاكِينِ، مِنْ عَيْنٍ أَوْ وَرِقٍ، وَلَا يُعْتَبَرُ مَا اُشْتُرِيت بِهِ يَعْنِي إذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى الْعُرُوضِ وَقِيمَتُهَا بِالْفِضَّةِ نِصَابٌ، وَلَا تَبْلُغُ نِصَابًا بِالذَّهَبِ قَوَّمْنَاهَا بِالْفِضَّةِ؛ لِيَحْصُلَ لِلْفُقَرَاءِ مِنْهَا حَظٌّ، وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهَا بِالْفِضَّةِ دُونَ النِّصَابِ وَبِالذَّهَبِ تَبْلُغُ نِصَابًا، قَوَّمْنَاهَا بِالذَّهَبِ؛ لِتَجِبَ الزَّكَاةُ فِيهَا. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاؤُهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ عُرُوضٍ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تُقَوَّمُ بِمَا اشْتَرَاهُ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ؛ لِأَنَّ نِصَابَ الْعَرُوضِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ، فَيَجِبُ أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ فِيهِ، وَتُعْتَبَرُ بِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَشْتَرِ بِهِ شَيْئًا. وَلَنَا أَنَّ قِيمَتَهُ بَلَغَتْ نِصَابًا فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِعَرْضٍ وَفِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ مُسْتَعْمَلَانِ، تَبْلُغُ قِيمَةُ الْعُرُوضِ بِأَحَدِهِمَا نِصَابًا، وَلِأَنَّ تَقْوِيمَهُ لِحَظِّ الْمَسَاكِينِ، فَيُعْتَبَرُ مَا لَهُمْ فِيهِ الْحَظُّ كَالْأَصْلِ.

وَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِ بِالنَّقْدِ شَيْئًا، فَإِنَّ الزَّكَاةَ فِي عَيْنِهِ، لَا فِي قِيمَتِهِ، بِخِلَافِ الْعَرْضِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ النَّقْدُ مُعَدًّا لِلتِّجَارَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الزَّكَاةُ فِيهِ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ بِالنَّقْدِ الْآخَرِ نِصَابًا، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ بِعَيْنِهِ نِصَابًا؛ لِأَنَّهُ مَالُ تِجَارَةٍ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا، فَوَجَبَتْ زَكَاتُهُ كَالْعُرُوضِ، فَأَمَّا إذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْعَرُوضِ نِصَابًا بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّمَنَيْنِ، قَوَّمَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا، وَأَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِ قِيمَتِهِ مِنْ أَيِّ النَّقْدَيْنِ شَاءَ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُخْرِجَ مِنْ النَّقْدِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي الْبَلَدِ، لِأَنَّهُ أَحْظُ لِلْمَسَاكِينِ، وَإِنْ كَانَا مُسْتَعْمَلَيْنِ أَخْرَجَ مِنْ الْغَالِبِ فِي الِاسْتِعْمَالِ لِذَلِكَ، فَإِنْ تَسَاوَيَا أَخْرَجَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ. وَإِذَا بَاعَ الْعُرُوضَ بِنَقْدٍ، وَحَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ، قَوَّمَ النَّقْدَ دُونَ الْعُرُوضِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُقَوِّمُ مَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ دُونَ غَيْرِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>