للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بَابُ زَكَاةِ الدَّيْنِ وَالصَّدَقَة]

ِ الصَّدَقَةُ: هِيَ الصَّدَاقُ، وَجَمْعُهَا صَدُقَاتٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: ٤] . وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ الدُّيُونِ، وَحُكْمُهَا حُكْمُهَا وَإِنَّمَا أَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ لِاشْتِهَارِهَا بِاسْمٍ خَاصٍّ. (١٩٣١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَإِذَا كَانَ مَعَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْأَمْوَالَ الْبَاطِنَةِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. وَهِيَ الْأَثْمَانُ، وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ.

وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ، وَالْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَمَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

وَقَالَ رَبِيعَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالشَّافِعِيُّ فِي جَدِيدِ قَوْلَيْهِ: لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ مَلَكَ نِصَابًا حَوْلًا، فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ، كَمَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ. وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي " الْأَمْوَالِ ": حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيُؤَدِّهِ، حَتَّى تُخْرِجُوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ. وَفِي رِوَايَةٍ: فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَقْضِ دَيْنَهُ، وَلْيُزَكِّ بَقِيَّةَ مَالِهِ. .

قَالَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَلَمْ يُنْكِرُوهُ، فَدَلَّ عَلَى اتِّفَاقِهِمْ عَلَيْهِ. وَرَوَى أَصْحَابُ مَالِكٍ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ عِمْرَانَ، عَنْ شُجَاعٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا كَانَ لِرَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ، وَعَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ» . وَهَذَا نَصٌّ.

وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُمِرْت أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ، فَأَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِكُمْ.» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَلَا تُدْفَعُ إلَّا إلَى الْفُقَرَاءِ، وَهَذَا مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، فَيَكُونُ فَقِيرًا، فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْأَغْنِيَاءِ، لِلْخَبَرِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا صَدَقَةَ إلَّا عَنْ ظَهْرِ غِنًى» . وَيُخَالِفُ مَنْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ غَنِيٌّ يَمْلِكُ نِصَابًا، يُحَقِّقُ هَذَا أَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا وَجَبَتْ مُوَاسَاةً لِلْفُقَرَاءِ، وَشُكْرًا لِنِعْمَةِ الْغِنَى، وَالْمَدِينُ مُحْتَاجٌ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ كَحَاجَةِ الْفَقِيرِ أَوْ أَشَدِّ، وَلَيْسَ مِنْ الْحِكْمَةِ تَعْطِيلُ حَاجَةِ الْمَالِكِ لِحَاجَةِ غَيْرِهِ، وَلَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْغِنَى مَا يَقْتَضِي الشُّكْرَ بِالْإِخْرَاجِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ.»

[فَصْلُ زَكَاة الدِّين فِي الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةِ]

(١٩٣٢) فَصْلٌ: فَأَمَّا الْأَمْوَالُ الظَّاهِرَةُ وَهِيَ السَّائِمَةُ، وَالْحُبُوبُ، وَالثِّمَارُ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>