للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا حَتَّى يَقْبِضَهُ، فَيُؤَدِّي لِمَا مَضَى، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ. - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

وَقَالَ عُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَجَابِرٌ وَطَاوُسٌ وَالنَّخَعِيُّ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ، وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ عَلَيْهِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ فِي الْحَالِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَخْذِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ، فَلَزِمَهُ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ، كَالْوَدِيعَةِ.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ نَامٍ، فَلَمْ تَجِبْ زَكَاتُهُ، كَعُرُوضِ الْقُنْيَةِ. وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَأَبِي الزِّنَادِ: يُزَكِّيه إذَا قَبَضَهُ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ. وَلَنَا، أَنَّهُ دَيْنٌ ثَابِتٌ فِي الذِّمَّةِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ قَبْضِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى مُعْسِرٍ، وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى طَرِيقِ الْمُوَاسَاةِ، وَلَيْسَ مِنْ الْمُوَاسَاةِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ مَالٍ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ.

وَأَمَّا الْوَدِيعَةُ، فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَوْدَعَ نَائِبٌ عَنْهُ فِي حِفْظِهِ، وَيَدُهُ كَيَدِهِ، وَإِنَّمَا يُزَكِّيه لِمَا مَضَى؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ يَقْدِرُ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ، فَلَزِمَتْهُ زَكَاتُهُ، كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ. الضَّرْبُ الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ عَلَى مُعْسِرٍ، أَوْ جَاحِدٍ، أَوْ مُمَاطِلٍ بِهِ. فَهَذَا هَلْ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا تَجِبُ، وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ، أَشْبَهَ مَالَ الْمُكَاتَبِ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يُزَكِّيه إذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الدَّيْنِ الْمَظْنُونِ، قَالَ: إنْ كَانَ صَادِقًا، فَلْيُزَكِّهِ إذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. رَوَاهُمَا أَبُو عُبَيْدٍ وَلِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، فَوَجَبَتْ زَكَاتُهُ لِمَا مَضَى، كَالدَّيْنِ عَلَى الْمَلِيءِ.

وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ كَالرِّوَايَتَيْنِ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَاللَّيْثِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ يُزَكِّيه إذَا قَبَضَهُ لِعَامٍ وَاحِدٍ. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا الْمَالَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ عَلَى حَالٍ وَاحِدٍ، فَوَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَى فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَوْ سُقُوطِهَا، كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْغَرِيمِ يَجْحَدُهُ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، أَوْ فِيهِمَا. (١٩٣٨)

فَصْلٌ: وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ تَصِحُّ مِنْ الْمُؤَجَّلِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ، لَكِنْ يَكُونُ فِي حُكْمِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُعْسِرِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُهُ فِي الْحَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>