للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا أَحَدًا مِمَّنْ مُنِعَ أَخْذَ زَكَاةِ الْمَالِ. وَيَجُوزُ صَرْفُهَا فِي الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ فَأَشْبَهَتْ صَدَقَةَ الْمَالِ.

[فَصْلُ أَخَذَ الصَّدَقَةَ مِمَّنْ لَهُ نِصَابٌ وَرَدُّهَا عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ]

(١٩٨٩) فَصْلٌ: وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى مُسْتَحِقِّهَا، فَأَخْرَجَهَا آخِذُهَا إلَى دَافِعَهَا، أَوْ جُمِعَتْ الصَّدَقَةُ عِنْدَ الْإِمَامِ، فَفَرَّقَهَا عَلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ، فَعَادَتْ إلَى إنْسَانٍ صَدَقَتُهُ، فَاخْتَارَ الْقَاضِي، جَوَازَ ذَلِكَ.

قَالَ: لِأَنَّ أَحْمَدَ قَدْ نَصَّ فِي مَنْ لَهُ نِصَابٌ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ، أَنَّ الصَّدَقَةَ تُؤْخَذُ مِنْهُ، وَتُرَدُّ عَلَيْهِ، إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَلِأَنَّ قَبْضَ الْإِمَامِ أَوْ الْمُسْتَحِقِّ أَزَالَ مِلْكَ الْمُخْرِجِ، وَعَادَتْ إلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ، فَجَازَ كَمَا لَوْ عَادَتْ بِمِيرَاثٍ.

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَذْهَبُ أَحْمَدُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا؛ لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ لَهُ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهَا كَشِرَائِهَا؛ «وَلِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْفَرَسَ الَّذِي حَمَلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تَشْتَرِهَا وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» ، فَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِلْخَبَرِ. وَإِنْ وَرِثَهَا فَلَهُ أَخْذُهَا؛ لِأَنَّهَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بِغَيْرِ فِعْلٍ مِنْهُ.

[مَسْأَلَةُ يَجُوزُ فِي الصَّدَقَة أَنْ يُعْطِيَ الْوَاحِدَ مَا يَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ وَالْجَمَاعَةَ مَا يَلْزَمُ الْوَاحِدَ]

(١٩٩٠) مَسْأَلَةٌ:

قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْوَاحِدَ مَا يَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ وَالْجَمَاعَةَ مَا يَلْزَمُ الْوَاحِدَ إعْطَاءُ الْجَمَاعَةِ مَا يَلْزَمُ الْوَاحِدَ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِأَنَّهُ صَرَفَ صَدَقَتَهُ إلَى مُسْتَحِقَّهَا، فَبَرِئَ مِنْهَا كَمَا لَوْ دَفَعَهَا إلَى وَاحِدٍ؛ وَأَمَّا إعْطَاءُ الْوَاحِدِ صَدَقَةَ الْجَمَاعَةِ، فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ وَمَنْ وَافَقَهُ، أَوْجَبُوا تَفْرِقَةَ الصَّدَقَةِ عَلَى سِتَّةِ أَصْنَافٍ، وَدَفْعَ حِصَّةِ كُلِّ صِنْفٍ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا الدَّلِيلَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهَا صَدَقَةٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَجَازَ صَرْفُهَا إلَى وَاحِدٍ كَالتَّطَوُّعِ. وَبِهَذَا

قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

[مَسْأَلَةُ حُكْم زَكَاة الْفِطْرِ عَنْ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمَّهُ]

(١٩٩١) مَسْأَلَةٌ:

قَالَ: وَمَنْ أَخْرَجَ عَنْ الْجَنِينِ، فَحَسَنٌ وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُخْرِجُ عَنْ الْجَنِينِ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْفِطْرَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الْجَنِينِ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ لَا يُوجِبُونَ عَلَى الرَّجُلِ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمَّهُ.

وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ، تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ، وَبِهِ وَيَرِثُ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَيُقَاسُ عَلَى الْمَوْلُودِ. وَلَنَا أَنَّهُ جَنِينٌ فَلَمْ تَتَعَلَّقْ الزَّكَاةُ بِهِ، كَأَجِنَّةِ الْبَهَائِمِ وَلِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ أَحْكَامُ الدُّنْيَا إلَّا فِي الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، بِشَرْطِ أَنْ يَخْرُجَ حَيًّا. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهَا عَنْهُ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يُخْرِجُهَا عَنْهُ، وَلِأَنَّهَا صَدَقَةٌ عَمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ، فَكَانَتْ مُسْتَحَبَّةً كَسَائِرِ صَدَقَاتِ التَّطَوُّعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>