للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ» . وَفِي لَفْظِ ابْنِ حَزْمٍ: «مَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ.» أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ، وَأَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ» ، وَقَالَ: إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ. وَقَالَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ: رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ الرُّفَعَاءِ.

وَلِأَنَّهُ صَوْمُ فَرْضٍ، فَافْتَقَرَ إلَى النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ، كَالْقَضَاءِ.

فَأَمَّا صَوْمُ عَاشُورَاءَ، فَلَمْ يَثْبُتْ وُجُوبُهُ، فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَلَمْ يَكْتُبْ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، وَأَنَا صَائِمٌ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يُبَحْ فِطْرُهُ، فَإِنَّمَا سُمِّيَ الْإِمْسَاكُ صِيَامًا تَجَوُّزًا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: " وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا، فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ. وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمُفْطِرِ بِالْأَكْلِ وَغَيْرِهِ. وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ رَجُلًا: أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ «أَنَّ مَنْ كَانَ أَكَلَ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ» .

وَإِمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ بَعْدَ الْأَكْلِ لَيْسَ بِصِيَامٍ شَرْعِيٍّ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ صِيَامًا تَجُوزَا. ثُمَّ لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ صِيَامٌ فَالْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ رَمَضَانَ، أَنَّ وُجُوبَ الصِّيَامِ تَجَدَّدَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، فَأَجْزَأَتْهُ النِّيَّةُ حِينَ تَجَدَّدَ الْوُجُوبُ، كَمَنْ كَانَ صَائِمًا تَطَوُّعًا، فَنَذَرَ إتْمَامَ صَوْمِ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ، فَإِنَّهُ تُجْزِئُهُ نِيَّتُهُ عِنْدَ نَذْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ النَّذْرُ مُتَقَدِّمًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّطَوُّعِ وَالْفَرْضِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّ التَّطَوُّعَ يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي بَعْضِ النَّهَارِ، بِشَرْطِ عَدَمِ الْمُفْطِرَاتِ فِي أَوَّلِهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ عَاشُورَاءَ: «فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ» فَإِذَا نَوَى صَوْمَ التَّطَوُّعِ مَنْ النَّهَارِ كَانَ صَائِمًا بَقِيَّةَ النَّهَارِ دُونَ أَوَّلِهِ، وَالْفَرْضُ يَكُونُ وَاجِبًا فِي جَمِيعِ النَّهَارِ، وَلَا يَكُونُ صَائِمًا بِغَيْرِ النِّيَّةِ.

وَالثَّانِي، أَنَّ التَّطَوُّعَ سُومِحَ فِي نِيَّتِهِ مِنْ اللَّيْلِ تَكْثِيرًا لَهُ، فَإِنَّهُ قَدْ يَبْدُو لَهُ الصَّوْمُ فِي النَّهَارِ، فَاشْتِرَاطُ النِّيَّةِ فِي اللَّيْلِ يَمْنَعُ ذَلِكَ، فَسَامَحَ الشَّرْعُ فِيهَا، كَمُسَامَحَتِهِ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَتَرْكِ الِاسْتِقْبَالِ فِيهِ فِي السَّفَرِ تَكْثِيرًا لَهُ، بِخِلَافِ الْفَرْضِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَفِي أَيِّ جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ نَوَى أَجْزَأَهُ، وَسَوَاءٌ فَعَلَ بَعْدَ النِّيَّةِ مَا يُنَافِي الصَّوْمَ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ، أَمْ لَمْ يَفْعَلْ. وَاشْتَرَطَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنْ لَا يَأْتِيَ بَعْدَ النِّيَّةِ بِمُنَافٍ لِلصَّوْمِ.

وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ وُجُودَ النِّيَّةِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ اللَّيْلِ، كَمَا اخْتَصَّ أَذَانُ الصُّبْحِ وَالدَّفْعُ مِنْ مُزْدَلِفَةَ بِهِ. وَلَنَا مَفْهُومُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>