للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ، وَلِأَنَّهُ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ، فَصَحَّ صَوْمُهُ، كَمَا لَوْ نَوَى فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ وَلَمْ يَفْعَلْ مَا يُنَافِي الصَّوْمَ، وَلِأَنَّ تَخْصِيصَ النِّيَّةِ بِالنِّصْفِ الْأَخِيرِ يُفْضِي إلَى تَفْوِيتِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ النَّوْمِ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ لَا يَنْتَبِهُ فِيهِ، وَلَا يَذْكُرُ الصَّوْمَ، وَالشَّارِعُ إنَّمَا رَخَّصَ فِي تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَى ابْتِدَائِهِ، لِحَرَجِ اعْتِبَارِهَا عِنْدَهُ، فَلَا يَخُصُّهَا بِمَحِلٍّ لَا تَنْدَفِعُ الْمَشَقَّةُ بِتَخْصِيصِهَا بِهِ، وَلِأَنَّ تَخْصِيصَهَا بِالنِّصْفِ الْأَخِيرِ تَحَكُّمٌ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ، وَلَا يَصِحُّ اعْتِبَارُ الصَّوْمِ بِالْأَذَانِ وَالدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ؛ لِأَنَّهُمَا يَجُوزَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ، فَلَا يُفْضِي مَنْعُهُمَا فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ إلَى فَوَاتِهِمَا، بِخِلَافِ نِيَّةِ الصَّوْمِ، وَلِأَنَّ اخْتِصَاصَهُمَا بِالنِّصْفِ الْأَخِيرِ بِمَعْنَى تَجْوِيزِهِمَا فِيهِ، وَاشْتِرَاطُ النِّيَّةِ بِمَعْنَى الْإِيجَابِ وَالتَّحَتُّمِ، وَفَوَاتِ الصَّوْمِ بِفَوَاتِهَا فِيهِ، وَهَذَا فِيهِ مَشَقَّةٌ وَمَضَرَّةٌ، بِخِلَافِ التَّجْوِيزِ، وَلِأَنَّ مَنْعَهُمَا فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لَا يُفْضِي إلَى اخْتِصَاصِهِمَا بِالنِّصْفِ الْأَخِيرِ، لِجَوَازِهِمَا بَعْدَ الْفَجْرِ، وَالنِّيَّةُ بِخِلَافِهِ، فَأَمَّا إنَّ فَسَخَ النِّيَّةَ، مِثْلُ إنَّ نَوَى الْفِطْرَ بَعْدَ نِيَّةِ الصِّيَامِ، لَمْ تُجْزِئْهُ تِلْكَ النِّيَّةُ الْمَفْسُوخَةُ، لِأَنَّهَا زَالَتْ حُكْمًا وَحَقِيقَةً.

[فَصْلُ نَوَى مِنْ النَّهَارِ صَوْمَ الْغَدِ]

(٢٠٠٥) فَصْلٌ: وَإِنْ نَوَى مِنْ النَّهَارِ صَوْمَ الْغَدِ، لَمْ تُجْزِئْهُ تِلْكَ النِّيَّةُ، إلَّا أَنْ يَسْتَصْحِبَهَا إلَى جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَنْصُورٍ، عَنْ أَحْمَدَ، مِنْ نَوَى الصَّوْمَ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ بِالنَّهَارِ، وَلَمْ يَنْوِ مِنْ اللَّيْلِ، فَلَا بَأْسَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فَسَخَ النِّيَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ. فَظَاهِرُ هَذَا حُصُولُ الْإِجْزَاءِ بِنِيَّتِهِ مِنْ النَّهَارِ، إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ قَالَ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَصْحَبَ النِّيَّةَ إلَى جُزْءٍ مِنْ اللَّيْلِ. وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: " لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ ". وَلِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ، وَلَا قَرِيبًا مِنْهَا، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ صَوْمَ بَعْدَ غَدٍ.

[فَصْلُ تُعْتَبَرُ النِّيَّةُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ]

(٢٠٠٦) فَصْلٌ: وَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ لِكُلِّ يَوْمٍ. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ تُجْزِئُهُ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ، إذَا نَوَى صَوْمَ جَمِيعِهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَإِسْحَاقَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى فِي زَمَنٍ يَصْلُحُ جِنْسُهُ لِنِيَّةِ الصَّوْمِ، فَجَازَ، كَمَا لَوْ نَوَى كُلَّ يَوْمٍ فِي لَيْلَتِهِ. وَلَنَا. أَنَّهُ صَوْمٌ وَاجِبٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَنْوِيَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ لَيْلَتِهِ، كَالْقَضَاءِ. وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ عِبَادَاتٌ لَا يَفْسُدُ بَعْضُهَا بِفَسَادِ بَعْضٍ، وَيَتَخَلَّلُهَا مَا يُنَافِيهَا، فَأَشْبَهَتْ الْقَضَاءَ، وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ. وَعَلَى قِيَاسِ رَمَضَانَ إذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ، فَيُخَرَّجُ فِيهِ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي رَمَضَانَ. .

<<  <  ج: ص:  >  >>