للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نِيَّةٍ حَقِيقَةً، كَمَا لَوْ نَسِيَ الصَّوْمَ بَعْدَ نِيَّتِهِ، أَوْ غَفَلَ عَنْهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ بَعْضَ الرَّكْعَةِ أَوْ بَعْضَ الْجَمَاعَةِ كَانَ مُدْرِكًا لِجَمِيعِهَا.

وَلَنَا أَنَّ مَا قَبْلَ النِّيَّةِ لَمْ يَنْوِ صِيَامَهُ، فَلَا يَكُونُ صَائِمًا فِيهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» . وَلِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ، فَلَا تُوجَدُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ. وَدَعْوَى أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ، دَعْوَى مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ لِصَوْمِ الْبَعْضِ أَنْ لَا تُوجَدَ الْمُفْطِرَاتُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْيَوْمِ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ عَاشُورَاءَ «فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ» . وَأَمَّا إذَا نَسِيَ النِّيَّةَ بَعْدَ وُجُودِهَا، فَإِنَّهُ يَكُونُ مُسْتَصْحِبًا لِحُكْمِهَا، بِخِلَافِ مَا قَبْلَهَا، فَإِنَّهَا لَمْ تُوجَدْ حُكْمًا، وَلَا حَقِيقَةً، وَلِهَذَا لَوْ نَوَى الْفَرْضَ مِنْ اللَّيْلِ، وَنَسِيَهُ فِي النَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهُ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ مِنْ اللَّيْلِ، لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ.

وَأَمَّا إدْرَاكُ الرَّكْعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَضَاءِ رَكْعَةٍ، وَيَنْوِي أَنَّهُ مَأْمُومٌ، وَلَيْسَ هَذَا مُسْتَحِيلًا، أَمَّا أَنْ يَكُونَ مَا صَلَّى الْإِمَامُ قَبْلَهُ مِنْ الرَّكَعَاتِ مَحْسُوبًا لَهُ، بِحَيْثُ يُجْزِئُهُ عَنْ فِعْلِهِ فَكَلَّا، وَلِأَنَّ مُدْرِكَ الرُّكُوعِ مُدْرِكٌ لِجَمِيعِ أَرْكَانِ الرَّكْعَةِ، لِأَنَّ الْقِيَامَ وُجِدَ حِينَ كَبَّرَ وَفَعَلَ سَائِرَ الْأَرْكَانِ مَعَ الْإِمَامِ.

وَأَمَّا الصَّوْمُ فَإِنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ أَوْ رُكْنٌ فِيهِ، فَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ بِدُونِ شَرْطِهِ وَرُكْنِهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ طَعِمَ قَبْلَ النِّيَّةِ، وَلَا فَعَلَ مَا يُفْطِرُهُ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، لَمْ يُجْزِئُهُ الصِّيَامُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ.

[مَسْأَلَةُ نَوَى الصِّيَام مِنْ اللَّيْلِ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْر فَلَمْ يُفِقْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ]

(٢٠١٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فَلَمْ يُفِقْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ، لَمْ يُجْزِهِ صِيَامُ ذَلِكَ الْيَوْمِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ، فَلَمْ يُفِقْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ، فِي قَوْلِ إمَامِنَا وَالشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَصِحُّ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ قَدْ صَحَّتْ، وَزَوَالُ الِاسْتِشْعَارِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ، كَالنَّوْمِ. وَلَنَا أَنَّ الصَّوْمَ هُوَ الْإِمْسَاكُ مَعَ النِّيَّةِ. قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصِّيَامَ، فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فَأَضَافَ تَرْكَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ مُغْمًى عَلَيْهِ، فَلَا يُضَافُ الْإِمْسَاكُ إلَيْهِ، فَلَمْ يُجْزِئْهُ. وَلِأَنَّ النِّيَّةَ أَحَدُ رُكْنَيْ الصَّوْمِ، فَلَا تُجْزِئُ وَحْدَهَا، كَالْإِمْسَاكِ وَحْدَهُ، أَمَّا النَّوْمُ فَإِنَّهُ عَادَةٌ، وَلَا يُزِيلُ الْإِحْسَاسَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَتَى نُبِّهَ انْتَبَهَ، وَالْإِغْمَاءُ عَارِضٌ يُزِيلُ الْعَقْلَ، فَأَشْبَهَ الْجُنُونَ.

إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَزَوَالُ الْعَقْلِ يَحْصُلُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ؛ أَحَدُهَا، الْإِغْمَاءُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَمَتَى فَسَدَ الصَّوْمُ بِهِ فَعَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ الْقَضَاءُ، بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>