للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِثْمِدِ غَيْرِ الْمُطَيَّبِ، كَالْمِيلِ وَنَحْوِهِ، لَمْ يُفْطِرْ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ كَانَ الْكُحْلُ حَادًّا، فَطَّرَهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَنَحْوَ مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ. وَعَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، أَنَّ الْكُحْلَ يُفَطِّرُ الصَّائِمَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يُفَطِّرُهُ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «، أَنَّهُ اكْتَحَلَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ» .

وَلِأَنَّ الْعَيْنَ لَيْسَتْ مَنْفَذًا؛ فَلَمْ يُفْطِرْ بِالدَّاخِلِ مِنْهَا، كَمَا لَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ. وَلَنَا أَنَّهُ أَوْصَلَ إلَى حَلْقِهِ مَا هُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ تَنَاوُلِهِ بِفِيهِ فَأَفْطَرَ بِهِ، كَمَا لَوْ أَوْصَلَهُ مِنْ أَنْفِهِ، وَمَا رَوَوْهُ لَمْ يَصِحَّ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَابِ الْكُحْلِ لِلصَّائِمِ شَيْءٌ. ثُمَّ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنَّهُ اكْتَحَلَ بِمَا لَا يَصِلُ. وَقَوْلُهُمْ: لَيْسَتْ الْعَيْنُ مَنْفَذًا لَا يَصِحُّ؛ فَإِنَّهُ يُوجَدُ طَعْمُهُ فِي الْحَلْقِ، وَيَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ فَيَتَنَخَّعَهُ قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنِي إنْسَانٌ أَنَّهُ اكْتَحَلَ بِاللَّيْلِ فَتَنَخَّعَهُ بِالنَّهَارِ. ثُمَّ لَا يُعْتَبَرُ فِي الْوَاصِلِ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَنْفَذٍ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ جَائِفَةً، فَإِنَّهُ يُفْطِرُ.

[فَصْلُ مَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ كَابْتِلَاعِ الرِّيق لَا يُفْطِرهُ]

(٢٠٢٢) فَصْلٌ: وَمَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، كَابْتِلَاعِ الرِّيقِ لَا يُفَطِّرُهُ، لِأَنَّ اتِّقَاءَ ذَلِكَ يَشُقُّ، فَأَشْبَهَ غُبَارَ الطَّرِيقِ، وَغَرْبَلَةَ الدَّقِيقِ. فَإِنْ جَمَعَهُ ثُمَّ ابْتَلَعَهُ قَصْدًا لَمْ يُفَطِّرْهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِلُ إلَى جَوْفِهِ مِنْ مَعِدَتِهِ، أَشْبَهَ مَا إذَا لَمْ يَجْمَعْهُ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهُ يُفَطِّرُهُ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَصَدَ ابْتِلَاعَ غُبَارِ الطَّرِيقِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ فَإِنَّ الرِّيقَ لَا يُفَطِّرُ إذَا لَمْ يَجْمَعْهُ، وَإِنْ قَصَدَ ابْتِلَاعَهُ، فَكَذَلِكَ إذَا جَمَعَهُ، بِخِلَافِ غُبَارِ الطَّرِيقِ، فَإِنْ خَرَجَ رِيقُهُ إلَى ثَوْبِهِ، أَوْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، أَوْ بَيْنَ شَفَتَيْهِ، ثُمَّ عَادَ فَابْتَلَعَهُ، أَوْ بَلَعَ رِيقَ غَيْرِهِ، أَفْطَرَ؛ لِأَنَّهُ ابْتَلَعَهُ مِنْ غَيْرِ فَمِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَلَعَ غَيْرَهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ، وَيَمُصُّ لِسَانَهَا.» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. قُلْنَا: قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ قَالَ: هَذَا إسْنَادٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يُقَبِّلُ فِي الصَّوْمِ، وَيَمُصُّ لِسَانَهَا فِي غَيْرِهِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَمُصَّهُ، ثُمَّ لَا يَبْتَلِعُهُ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ انْفِصَالُ مَا عَلَى لِسَانِهَا مِنْ الْبَلَلِ إلَى فَمِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَرَكَ حَصَاةً مَبْلُولَةً فِي فِيهِ، أَوْ لَوْ تَمَضْمَضَ بِمَاءٍ ثُمَّ مَجَّهُ. وَلَوْ تَرَكَ فِي فَمِهِ حَصَاةً أَوْ دِرْهَمًا، فَأَخْرَجَهُ وَعَلَيْهِ بَلَّةٌ مِنْ الرِّيقِ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي فِيهِ، نَظَرْت؛ فَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الرِّيقِ كَثِيرًا فَابْتَلَعَهُ أَفْطَرَ، وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَمْ يُفْطِرْ بِابْتِلَاعِ رِيقِهِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يُفْطِرُ لِابْتِلَاعِهِ ذَلِكَ الْبَلَلَ الَّذِي كَانَ عَلَى الْجِسْمِ. وَلَنَا أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ انْفِصَالُ ذَلِكَ الْبَلَلِ، وَدُخُولُهُ إلَى حَلْقِهِ، فَلَا يُفَطِّرُهُ، كَالْمَضْمَضَةِ وَالتَّسَوُّكِ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ وَالْمَبْلُولِ. وَيُقَوِّي ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي مَصِّ لِسَانِهَا. وَلَوْ أَخْرَجَ لِسَانَهُ وَعَلَيْهِ بَلَّةٌ، ثُمَّ عَادَ فَأَدْخَلَهُ وَابْتَلَعَ رِيقَهُ، لَمْ يُفْطِرْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>